لم تختلف سنة 2008 عن سابقاتها بالنسبة للإيرانيّين، لجهة التهديدات الأميركية والإسرائيلية بتنفيذ ضربة عسكرية خاطفة ضد بلادهم. مثل هذه التهديدات، رغم تزايد احتمالاتها أخيراً، كانت قد واكبت الثورة منذ نشأتها
طهران ـــ محمد شمص
يبدو أن الإيرانيين على ثقة تامة بأنهم تجاوزوا مرحلة الخطر على الثورة والنظام، بل أصبحوا يفاخرون بأن إيران اليوم هي قوة عظمى إقليمية مؤثرة وفاعلة، تتمتع بأكبر قاعدة شعبية على مستوى العالم، حسبما يقول المرشد الأعلى علي خامنئي.
قطوع من التهديدات الإسرائيلية ــــ الأميركية بضرب منشآت الجمهورية الإسلامية النووية، تجاوزته إيران من خلال استعدادات عسكرية واستراتيجية بدأت بتطوير ترسانة الصواريخ البالستية البعيدة المدى من طراز «شهاب» و«سجيل»، ولم تنته بالتزوّد بمنظومات دفاعية جويّة حديثة، فضلاً عن إطلاق صواريخ فضائية تحمل ما تحمله من دلالات على التطور المتنامي تكنولوجياً وعلمياً على غير صعيد.
وفيما غابت أصوات المدافع والطائرات، نشطت أجهزة الاستخبارات والمنظمات الجاسوسية في سياق حرب استخبارية باردة، حاول من خلالها الموساد الإسرائيلي ووكالة الاستخبارات المركزية الأميركية «CIA» إيجاد نفوذ داخل إيران، بهدف زعزعة النظام وصولاً إلى تقويضه، بعد الإخفاق في القيام بعمل عسكري مباشر.
في غضون ذلك، كان الإيرانيون يرصدون بدقة تحركات هذه المنظمات الجاسوسية، إذ اعتقل جهاز الأمن في الحرس الثوري مجموعة شبكات، كان آخرها عدد من الجواسيس العاملين تحت غطاء مراسلين لقناة «BBC» البريطانية.
غير أن تبادل الاتهامات والتهديدات بات لغة الخطاب السائدة لدى المسؤولين الإيرانيين، فالرئيس محمود أحمدي نجاد كان حاسماً في خطابه لنظيره الأميركي جورج بوش، بأن أحداً في العالم لن يستطيع المس بسنتيمتر واحد من إيران و«من يفكّر بالاعتداء على الجمهورية الإسلامية فسيندم». أما تصريحاته بشأن إزالة إسرائيل من الخريطة، التي استغلّها الغرب ووسائل الإعلام الإسرائيلية جيداً ضد نجاد، فلم تثنه أو تدفعه للتراجع عنها.
لعل الموقع الجيوبوليتيكي المميّز لإيران في منطقة الشرق الأوسط، جعل منها أكبر قوة إقليمية تواجه قوى عظمى في العالم. عزز هذا الدور العلاقات الجيدة التي تربط بين موسكو وطهران، لا سيما بعد أحداث جورجيا وتطوراتها، واعتقاد الروس بأن إيران حاجة ملحّة لوقف الزحف الغربي نحو بلادهم من خلال نظام الدرع الصاروخية الأميركية. لهذا فشل مجلس الأمن ومجموع دول «5+1» عام 2008 في اتخاذ أي قرار لفرض عقوبات اقتصادية جديدة على إيران، وذلك بفعل الموقف الروسي الرافض للعقوبات، وبفعل تضامن دول حركة عدم الانحياز الـ118، أثناء انعقاد مؤتمرها في طهران، بالإضافة إلى دعم قمة منظمة شنغهاي للتعاون التي حضرها نجاد وقدم خلالها اقتراحات لتطوير التعاون مع إيران.
واستفادة طهران، التي حسمت خيارها باللاعودة عن برنامجها النووي، من الأجواء العالمية الجديدة، لا سيما الأزمة المالية التي تعصف بالولايات المتحدة والغرب، فشغّلت خمسة آلاف جهاز طرد مركزي لتخصيب اليورانيوم.
أمّا الإدارة الأميركية، التي أعربت عن قلقها من تقدم برنامج إيران النووي وتنامي قدراتها العسكرية، فقد أنصتت إلى توصيات لجان «عقلائها» بضرورة بدء حوار مع إيران كانت مهدت له من خلال فكرة إنشاء مكتب لرعاية المصالح الأميركية في طهران، ما أثار نقاشاً حاداً بين المسؤولين الإيرانيين حسمه خامنئي، حين أعلن أن الأميركيين يريدون الحوار من أجل الحوار بهدف إخضاع العالم وإقناعهم بأن إيران التي تعد أكثر الدول المعارضة للسياسات الأميركية تراجعت وجلست إلى طاولة المفاوضات في نهاية المطاف.
لكن انتخاب الرئيس الديموقراطي باراك أوباما فتح الباب على مصراعيه أمام فرصة جديدة للحوار واستئناف العلاقات الدبلوماسية المقطوعة منذ انتصار الثورة. وأظهر الإيرانيون مرونة واستعداداً حذراً للحوار بانتطار «تغيير واضح وشفّاف» في السياسات الأميركية تجاه قضايا الشرق الأوسط.
على المستوى العربي، خطا نجاد خطى لافتة نحو تعزيز علاقات بلاده مع دول الخليج العربية، التي بدأت تدعم حق إيران في امتلاك برنامج نووي للأغراض السلمية. لكن هذه العلاقات لم تشهد أي خطوات عملية مهمة؛ فالملفات العالقة بين الجانبين لا تزال قائمة مثل قضية الجزر الثلاث مع الإمارات، أو النفوذ الإيراني في العراق، حيث تشعر السعودية وبعض الدول العربية بأن إيران استحوذت على حصة الأسد في هذا البلد. وربما كانت قضية التحريض المذهبي من أخطر القضايا. قضية دفعت طهران إلى إرسال ممثل خامنئي الخاص، علي أكبر ولايتي، إلى مؤتمر الدوحة الإسلامي في قطر ليساهم في إزالة المخاوف التي أثيرت بشأن إيران. خامنئي أكد في هذا الصدد أن بلاده لن تسمح بأن يكون أحد من المسلمين وقوداً للفتنة المذهبية.
وعلى المستوى الداخلي، تعرضت حكومة نجاد لهزّات وانتكاسات عديدة، بدأت بإقالة مجلس الشورى وزير الداخلية علي كردان، وتوجيه المعارضة والإصلاحيين انتقادات لاذعة لسياسات حكومته الاقتصادية. سياسات كان من شأنها ارتفاع نسبة التضخم والأسعار.
يبقى أن الساحة الإيرانية اليوم تقف أمام استحقاق صعب، حيث تشهد تنافساً حامياً للمعركة الرئاسية في حزيران المقبل، وخصوصاً بعدما أعلن الإصلاحيون عزمهم الراسخ على المشاركة بقوة.