تتميز العاصمة البلجيكية بروكسل عن سواها من المدن والعواصم الأوروبية بوجود عدد كبير من المسلمين، أصبحوا يشكّلون، مع مرور الوقت، غالبية داخل بعض أحيائها، ما يجعلهم قادرين على فرض نمط حياتهم وطريقة عيشهم فيها، وهو ما يثير حفيظة اليمين القومي البلجيكي
بروكسل ــ بسّام الطيارة
تحتل بلجيكا مركزاً مهماً للعديد من المنظمات والهيئات الأوروبية والعالمية، التي تتركز أساساً في عاصمتها بروكسل. لكنها في الوقت نفسه تمتلك ميزة ثانية، إذ يبرز العدد الكبير للجالية الإسلامية المنتشرة في المدينة. فبروكسل، التي اختارها آباء الاتحاد الأوروبي لتصبح «العاصمة الأوروبية»، لا يتوقف العمل على تحسين منشآتها وطرقها، إلى درجة بات الجميع يعتبر أن الأشغال العامة هي الشغل الشاغل لمسؤولي العاصمة الملكية.
اهتمامٌ آخر، وصورة أخرى بدأت ترتبط بالمدينة، عاصمة «البلاد المسطحة» كما وصفها جاك بريل «أشهر البلجيكيين»، ألا وهي تزايد عدد المسلمين فيها وليس فقط من المهاجرين، بل من أصول بلجيكية، إلى درجة أن بعض الصحف لا تتردد بالجزم بأن بروكسل، التي يشكل المسلمون ثلث سكانها اليوم، سوف تصبح «مدينة مسلمة» بعد عشرين عاماً. وهو ما يؤكده الباحث في جامعة لوفان الكاثوليكية، أوليفيه سيرفي، الذي يشير إلى أن «تسمية محمد» هي الأولى في لوائح الولادات منذ عام ٢٠٠١.
وتعالج الصحف البلجيكية يومياً هذه الظاهرة في عواميدها. وتتداخل في هذه المعالجة الآراء المتناقضة، منها من ينتقد هذا التحوّل في «عناصر تكوين البلاد»، وفي غالبيتهم هم من اليمين القومي المتطرف. بينما نجد في شق «المتفهمين»، عدداً من اليساريين الاشتراكيين في المناطق الفرنسية، حيث يحتل محمود رومداحي، منصب نائب مركز البرلمان الفرنسي في مقاطعة العاصمة، رغم أنه يعرّف نفسه بأنه «من حضارة مسلمة غير ملتزم بالواجبات الدينية».
ويقول رومداحي، في تصريحات للصحف، إنه لا يجب اعتبار «كل المهاجرين من الدول المسلمة مسلمين»، مشيراً إلى نفسه وإلى الكثير من «المهاجرين الذين يتأقلمون مع المجتمع البلجيكي»، وذلك من أجل التفاعل مع محيطهم والنجاح. إلا أن ما يجمع عليه «منتقدو هذا التحول» في بلجيكا، هو أن الأمر يتعلق أكثر بالأجيال الجديدة التي ولدت في بلجيكا، والتي تشهد «تحولاً نحو مزيد من الروحانية». فالأرقام والإحصائيات تدل على أن ٧٥ في المئة من الجيل الثاني، يعتبرون أنفسهم «مسلمين ملتزمين». بينما تتهم الفلامنكية هند فريحي، التي أصدرت كتاباً بعنوان «مندسَّة بين الإسلاميين المتطرفين»، الشباب بـ«الراديكالية» وعدم احترامهم «للقيم الغربية». ويرى البعض في عدد من أحياء العاصمة، «أمكنة يصعب التصديق أنها في بلد أوروبي». إذ يمكن مشاهدة الحوانيت التي تشابه ما يوجد في البلاد الشرقية من حيث الألوان الداكنة. ومن الأمثلة أيضاً، يلاحظ الزائر أنه بدءاً من شارع «برادو» حتى بلدية مولنبك، تصطف المخازن التي تبيع سلعاً شرقية وتصدح منها الموسيقى، التي تذكّر بالمشرق والمغرب العربي. بالإضافة إلى تواجد عدد كبير من المطاعم «الاتنية» التي تفوح منها «روائح التوابل والبهارات»، وهو ما يسميه أهالي بروكسل الحي المغربي. ويشيرون إلى أن «معظم نساء هذا الحي محجّبات». ولا ينكر أهالي الحي هذا الواقع ويعبرون عن «سعادتهم» بسبب سعة صدر البلجيكيين وتقبلهم لـ«الآخر» واحترامهم للتقاليد المتميزة، ويسرّون بأن «إحساسهم هو كأنهم في البلاد». وهو ما يراه منتقدوهم بأنها يدلّ على عدم اندماجهم وأنهم «يحسبون دائماً حساب العودة إلى بلادهم الأصلية».
وتراعي البلدية في هذا الحي، نمط حياة السكان، فتهتم بتقديم باقة من الخدمات «الخاصة»، مثل «المجلس الاستشاري للمساجد» أو «مسلخ حلال»، وهو ما يراه مسؤولو البلدية «مبادرات احترام تجاه مواطنيهم». بينما يراها البعض الآخر «تراجعاً مستمراً يمكن أن يقود إلى تغيير طابع الخدمات البلدية». ويصف البعض الآخر على سبيل المثال «فرض» الأطعمة الحلال في الحضانات والمدارس بأنه «يتم على حساب الأطفال المسيحيين». ويتخوف جميع المراقبين من أن تنضم «أحزاب يمينية متطرفة» إلى موجة «الخوف من الإسلام»، لزرع «بذور عنصرية انطوائية» تخلق شرخاً في المجتمع البلجيكي المنقسم أصلاً بسبب «الشرخ الألسني». كما يتركز التخوف أيضاً، من أن تجعل الأحزاب اليمينية من الإسلام وانتشاره مدخلاً لانتقاد «الواقع الاجتماعي والبطالة المتزايدة»، التي وصل معدلها إلى ٢٠ في المئة في بلجيكا، وخصوصاً أن البلجيكيين ذوي الأصول المسلمة يحتلون عدداً كبيراً من الوظائف في المدينة.
هذا الواقع، ينطبق كثيراً على مركز المجلس الرئاسي، القريب من الأحياء «المسلمة». فالمراقب لا يحتاج إلى إحصاء أو إلى دراسة، ليتبيّن أن عدداً كبيراً من العاملين في المركز من القيّمين على الحراسة، إلى مسؤولي التنظيفات، مروراً بعدد متزايد من السكريتيرات هم من أصول مسلمة. وقد أكد أحد العاملين من أصول جزائرية ارتفاع عدد العاملين من أصول مسلمة، إلا أنه حذّر من أنه في حال قبول انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، فإن عدد الموظفين الأوروبيين المسلمين سوف يضاف إلى عدد الموظفين من أصل كوسوفي أو المسلمين الأوروبيين.


القمّة الأوروبيّة لمواجهة الأزمة الاقتصادية

عقد القادة الأوروبيون، أمس، في بروكسل قمة تهدف إلى إثبات تعبئتهم بقوة في مواجهة الأزمة المالية العالمية وتداعياتها على بلدانهم.
وتجنب ممثلو المؤسسات الأوروبية الردّ على أسئلة الصحافيين عن الاضطرابات العمالية التي تشهدها العديد من الدول الأعضاء، خلال المؤتمر الصحافي لممثلي مؤسسات الاتحاد الأوروبي وأرباب العمل والعمال، الذين عقدوا قمة صباحية تسبق القمة الأوروبية الرسمية. إلا أنهم في المقابل، أكدوا «عدالة وصلابة النموذج الاجتماعي الأوروبي، مقارنة بالنظام الأميركي». ومن النقاط الأساسية التي أبرزها رئيس المفوضية الأوروبية، جوزيه باروزو، ضرورة تسهيل حركة العمال ورؤوس الأموال والخدمات عبر الدول الأعضاء. ونوّه بتصميم المشاركين على اتخاذ كل الإجراءات اللازمة للحفاظ على سوق العمل، وكشف عن إقامة «قمة عمل» تستضيفها براغ في ٧ أيار المقبل لمناقشة الاستراتيجيات الواجب اتخاذها للحفاظ على فرص العمل وخلق فرص جديدة، وأكد ضرورة معالجة الفقر الناتج من البطالة.
بدوره، دعا رئيس وزراء التشيك، ميريك توبولانيك، الذي ترأس بلاده الدورة الحالية للاتحاد الأوروبي، إلى اتخاذ إجراءات جديدة على صعيد وطني وأوروبي لدعم الثقة بالاقتصاد لإعادة إطلاق عجلته.
(الأخبار)