عودة بوتين رهن سياسته ومعارضيه... وموسكو لم تستعد «عظمتها»!ربى أبو عمّو
تقف السلطة في روسيا على جبل عالٍ، تحمل معها نحو 90 في المئة من أعضاء البرلمان الموالي لها. ويبقى من المجموع عشرة في المئة، يحاولون إسقاط رؤوس هذا الجبل سياسياً، وخصوصاً أن أساساته التي ارتفعت مع ارتفاع أسعار النفط، بدأت تهتز مع انخفاضها. هذه النسبة الضئيلة يمثلها الحزب الشيوعي الروسي، الذي شارك في مؤتمر الحزب الشيوعي اللبناني، ممثلاً بالنائب في البرلمان الروسي، سيرغي ليفتشنكو.
يرفض ليفتشنكو أوّلاً الادّعاءات بأن الشيوعيين باتوا جزءاً من النظام، بعدما تحوّل الفساد إلى معادلة أساسية فيه، متحدثاً عن تحركات كتلته لمواجهة السلطة. ويعود إلى عام 2000، تاريخ ترشح فلاديمير بوتين للرئاسة، ليذكر كيف أن «الشيوعي صوّت ضد بوتين منفرداً».
هذا ليس كل شيء. يسهب النائب في الدفاع عن حزبه، ليؤكد مراراً أن موقع «الشيوعي» داخل البرلمان هو للإصلاح. ويشير إلى أنه «منذ 31 كانون الثاني، شهدت البلاد تظاهرات ضد السلطة امتدت حتى سيبيريا، وشارك فيها نحو 5 ملايين شخص». ويروي حادثة تصدّى لها حزبه، قائلاً «سعى النظام إلى تخصيص كل مؤسسات الطاقة. رفضت الكتلة الشيوعية، وخصوصاً أن روسيا تقع في مناطق باردة، وبالتالي حياة الناس متعلقة بالطاقة. فماذا لو اشترى أحدهم محطة للطاقة الحرارية، وقرر أن يغلقها فجأة؟».
يضيف سيرغي «نزلنا إلى الشوارع وأقمنا حلقات بشرية حول البرلمان وداخله، وصلت أحياناً إلى أننا منعنا نواب السلطة من الكلام. وأخيراً، توصل البرلمان إلى إنشاء لجنة خاصة لدرس الموضوع تألفت من ممثلين عن كل الكتل، فأسقطت التخصيص وحظيت الدولة بحق الرقابة على مصادر الطاقة».
حادثة أخرى تلت ارتفاع أسعار النفط. يقول ليفتشنكو «تقدمنا باقتراح للبرلمان لإنشاء صندوق ووضع فائض المال فيه، واستخدام هذه الأموال لتطوير الصناعات المحلية، باعتبار أنه لا بد لسعر النفط من أن ينخفض. رفضت السلطة. وبعد الضغط، تم إنشاء الصندوق، وها هي الحكومة تستخدمه اليوم لإنقاذ نفسها من العجز».
رَفَضَ الحزب الشيوعي أن يكون جزءاً من سلطة بوتين، والأسباب كما يعدّدها النائب هي «استفادة الطبقة النافذة من الأموال بدلاً من تخزينها في الصندوق واستخدامها لمصلحة الشعب». ويتابع أن «السلطة الحالية لا تعمل لمصلحة الغالبية. ومن هنا ترتفع نسبة الفقر والجريمة والتطرف والإرهاب».
ولكن، ماذا عن الطبقة الوسطى التي أعادها بوتين؟ بسخرية، ينفي سيرغي وجودها، ويقول إن 20 في المئة من الروس يعيشون تحت خط الفقر. ويعطي مثلاً عن الطبقة الوسطى: «رجلان، الأول يحتضر عن عمر أربعين عاماً، والثاني يحتضر أيضاً عن عمر 36 عاماً. فلا شك أن الثالث ما بينهما ينتظر المصير نفسه».
هذه النقمة على بوتين، باعتباره ممثلاً للسلطة، تطرح أسئلة عن السيناريو المتوقع في البلاد خلال الأزمة المالية. هل سيبقى رئيساً للحكومة، أم سيستقيل محمّلاً الرئيس مسؤولية عدم معالجة الأزمة، ليعود بعدها إلى الرئاسة منقذاً؟ يستبعد ليفتشنكو فكرة الاستقالة، معلّلاً أنه «غالباً ما يُحمّل الرؤساء حكوماتهم مسؤولية الفشل، لا العكس». ويرى أن عودة بوتين «منوطة بطبيعة الممارسات ضد عودته، إضافة إلى سياساته هو». إلا أن الأهم من كل ذلك هو «أزمة الثقة لدى الناخب الذي يرى تزوير النتائج». ويروي ليفتشنكو أنه «في عام 2001، تَرّشّح عن إحدى المحافظات الكبيرة، إلى جانب محافظ موالٍ للسلطة. في الساعة الثالثة فجراً، كانت نتائج التصويت لمصلحتي بفارق كبير. فعمدت السلطة إلى قطع الكهرباء، وزوّرت النتائج معلنة فوز مرشحها بفارق ضئيل جداً».
الحل، كما يقول ليفتشنكو، هو «التأميم». ولا يستبعد أن «تلجأ حكومة بوتين إلى هذا الخيار باعتبار أن همّها الوحيد هو البقاء في السلطة». إلا أنه يبدو متفائلاً في الوقت نفسه بعودة قوية للحزب الشيوعي على خلفيّة هذه الأزمة.
ومن الداخل إلى الخارج، وفي ما يتعلق بالعلاقات الأميركية الروسية، التي تبدو أقرب إلى الحلحلة بعد انتخاب باراك أوباما رئيساً للولايات المتحدة، لا يبدو ليفتشنكو متفائلاً. ورغم قوله إنه لا شكّ أن «أساليبه (أوباما) ستكون أفضل من إدارة بوش»، يعود ويعطي مثلاً: «قل لي مَن أصدقاؤك أقل لك من أنت». والأصدقاء مستشاروه الذين كان معظمهم في إدارة بيل كلينتون، التي لم تستطع إقامة علاقات متوازنة مع روسيا. ويرفض فكرة المقايضة الأميركية بتعليق ملفّ الدرع الصاروخية في مقابل دور روسي في الملف النووي الإيراني، قائلاً «لا صداقة مشروطة مع أميركا». وفي الوقت نفسه، لا يستبعد ضربة عسكرية لإيران، رغم أنه لا يؤيدها، ويربط الأمر «بمدى وحدة الدول العربية».
يبدو النائب ليفتشنكو واثقاً من تأثير الشيوعية في المرحلة المقبلة، في بلد يجمع بين الأفرقاء الخطوط الحمراء، كأحقية حرب جورجيا ورفض الدرع الصاروخية الأميركية، مع الفارق أنه بعكس ما توحيه السلطة، يعترف بأن «روسيا لم تَعُد لدورها كدولة
عظمى».