نيويورك ــ نزار عبودحلقات دولية وإقليمية عديدة بدأت تتقارب لإنتاج تسويات في الشرق الأوسط. فالقوى الكبرى التي تعاني بأكملها من الأزمات المالية، تحتاج إلى تقليص مشاغلها وحروبها المكلفة كي تتفرغ للقضايا الأهم استراتيجياً، كالملف النووي الإيراني والدرع الصاروخية والحرب على الإرهاب، عدا عن الخشية من تفجّر الأزمة الأخطر، وهي الصراع على الأسواق بالعودة إلى الحمائية التجارية.
ويرى الأميركيون أنّ مجيء «الليكود» بزعامة بنيامين نتنياهو إلى سدة السلطة في إسرائيل يضايق إدارة باراك أوباما إلى حدّ ربما يحملها على اللجوء إلى تعطيله بشتى السبل. وقرأوا في زيارة جون كيري إلى غزة، وما تسرّب من تعهّد بتبرّع الولايات المتحدة بـ900 مليون دولار لإعمار القطاع، رسالة قوية للحكومة الإسرائيلية المقبلة بأن زمن الحلول العسكرية بات من الماضي، وأن المطلوب هو إيجاد تسويات ومصالحات تحفظ الاستقرار «خشية خروج التغيير الجارف من الأنفاق»، على حد تعبير دبلوماسي في الأمم المتحدة.
التسويات التي تُنتج تكون على النمط الذي تحدث عنه أخيراً مندوب بريطانيا الدائم لدى الأمم المتحدة السير جون سوورز، بشأن عقد صفقات سرية، كالصفقة مع إيران في العراق لوقف العمليات ضد الجنود البريطانيين في مقابل توقّف بريطانيا عن ملاحقة برنامجها النووي.
مجيء نتنياهو يعطّل مشاريع أوباما للمنطقة، ويبطل مهمة جورج ميتشل. كما أن نتنياهو الذي لا يستطيع حسم الأمور بالقوة كما يدّعي، قد يفجّر مشاكل إقليمية تسيء إلى المصالح الأميركية أكثر مما تساعدها. فهو بتطرّفه يقوّي محور التشدد في الجانب العربي، ويمنح «حماس» ما تحتاج إليه من مبرر للتمسّك بموقفها المعارض للاعتراف بخطة الدولتين.
أوباما، كما يردّد، يبحث عن «أهداف قابلة للتحقيق». ولقد أعرب خلال حملته الانتخابية عن استعجال لرؤية إسرائيل تنسحب من القسم الأكبر من الضفة الغربية، وهدم المستوطنات، وإيجاد دولة فلسطينية مستقلة. وحصلت تسيبي ليفني على دعم أميركي في حملتها الانتخابية بناءً على موقفها، أنها تنوي السير بخطى سريعة في المفاوضات من أجل بلوغ الدولة الفلسطينية.
يستبعد دبلوماسيون في نيويورك أن يوفّق نتنياهو في تأليف حكومة ائتلاف خلال أسابيع. فتاريخه في تفشيل التسويات حافل. ويقول أحدهم «عطّل نتنياهو في التسعينيات مبادرات كان إسحق رابين قد بدأها، ووأدها نهائياً. كما أنه يستبعد حالياً، وتماماً، فكرة الدولتين. ولا يتوقع أن يتمكّن الإسرائيليون من العيش إلى جانب الفلسطينيين بسلام وصداقة، لأنه ينظر إلى الدولة الفلسطينية المقبلة بأنها ستكون على غرار غزة الحالية، وعلى غرار جنوب لبنان، دولة تسهم في بناء قواعد سرية تهدد إسرائيل وتخدم الاستراتيجية الإيرانية في المنطقة». مواقف لا تحتمل المساومة. وإذا كان أوباما يعمل على بلوغ تسوية، فإنه لن يستطيع أن يتعاطى مع حكومة إسرائيلية يمينية متطرفة إلى هذا الحد. وربما يصطدم بها في بداية عهده، ويعود إلى المربّع الذي دخله وزير الخارجية الأميركي الأسبق جيمس بيكر، بعد مؤتمر مدريد، حين اضطر إلى تجميد قسم من القروض في إطار ضغط على إسرائيل لم يؤد إلى نتائج.
ورأى دبلوماسيون أن تشجيع إدارة أوباما للمصالحات العربية والانفتاح المتزايد على دمشق يأتيان في إطار تطويق التطرّف الإسرائيلي ومحاصرة مشروع نتنياهو الذي كان يتمتع بثقل أميركي داخلي كبير قبل تفجّر الأزمة المالية. لكنّ الأمور تبدّلت، والأميركيون الذين يشاهدون أكثر من 20 ألف وظيفة تختفي يومياً، يبحثون عن أيّ حلّ، ولو أتى من الصين. وإذا كان بيكر قد فشل في حينها، فإن هيلاري كلينتون أوفر حظاً في ممارسة الضغط المطلوب.