بدأت تتبلور الاستراتيجية الأميركية نحو كوريا الشمالية، باعتمادها على الضغوط للوصول إلى الحل الدبلوماسي، أسلوب محفوف بالمخاطر نظراً لعدم إمكان التنبؤ بتصرفات بيونغ يانغ
واشنطن ــ محمد سعيد
يأتي إعلان كوريا الشمالية أنها قوة نووية عظمى، وتهديدها بالرد إذا تعرضت لأي هجوم أميركي، ليثيرا من جديد قضية محور الشر الأميركي، الذي جرى «اختراعه» والترويج له في عهد حكومة الرئيس الأميركي السابق جورج بوش. كان هذا المحور يضم كوريا الشمالية والعراق وإيران، وهو يضع إدارة الرئيس باراك أوباما أمام تحدٍّ حقيقي في كيفية معالجة الملف النووي لبيونغ يانغ. فهل يكون الحل بالحوار بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية، أم سيكون بالحسم العسكري بين الجانبين؟
يبدو أن الأمور تتّجه نحو التصعيد بين البلدين مع تجديد أوباما يوم الأربعاء الماضي العقوبات المفروضة على كوريا الشمالية بإصدار مرسوم رئاسي، وذلك نظراً إلى استمرار حالة الطوارئ القومية في ما يتعلق ببرنامج كوريا الشمالية النووي. ورأى المرسوم أنه صدر نظراً لكون انتشار أسلحة ومواد انشطارية يمكن استخدامها في شبه الجزيرة الكورية يمثّل تهديداً استثنائياً وغير عادي للأمن القومي والسياسة الخارجية للولايات المتحدة.
وكان أوباما قد أعلن استعداد واشنطن لمواجهة احتمال إطلاق صاروخ كوري شمالي باتجاه جزر هاواي في المحيط الهادئ، وهو ما ردت عليه بيونغ يانغ بالتهديد بإلحاق الأذى بأميركا إذا ما تعرضت لهجوم. كما دعا وزير الدفاع الأميركي، روبرت غيتس، وحدات الدفاع الأميركي في جزر هاواي إلى تعزيز استعداداتها لاحتمال إطلاق صاروخ كوري شمالي تجاهها في الرابع من تموز المقبل.
وقد نشر معهد «غالوب» لاستطلاعات الرأي نتائج استطلاع تفيد أن 51 في المئة من الأميركيين يرون أن كوريا الشمالية تمثل أكبر تهديد مباشر للأمن الأميركي إلى جانب إيران والعراق وأفغانستان وباكستان.
وتواجه أميركا مشاكل داخلية وخارجية كثيرة، في مقدمتها الأزمة المالية وأفغانستان والعراق، وهي ليست بحاجة إلى المزيد من الحروب ونزف الدماء، إضافةً إلى أن الرئيس أوباما نفسه يعتمد استراتيجية الحوار والشراكة كمبدأ من مبادئ إدارته الجديدة. ومن هنا يعمل أوباما على تفعيل مشاركة قوى دولية أخرى مثل روسيا والصين في إدارة الملف النووي مع كوريا الشمالية كما مع إيران. ولذلك قد تسير الأزمة وفقاً للموقف الروسي، الذي يدعم فكرة إجراء محادثات مع بيونغ يانغ نحو تحديد الخطوات الإضافية للتعامل مع الأزمة الحالية.
وفي هذا السياق، رأت وزارة الخارجية الروسية أنه رغم تقديرها للتعاون بين الدول السبع «روسيا والولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والصين واليابان وكوريا الجنوبية» في مجلس الأمن، فإنها تؤيد إجراء محادثات خماسية بين الدول المشاركة في المحادثات السداسية بشأن كوريا الشمالية، لمناقشة خطوات إضافية، وخصوصاً أن مفهوم المحادثات الخماسية، التي تستثني كوريا الشمالية، بدأ يكسب شعبية بعد القمة الأخيرة بين الرئيس الأميركي أوباما ونظيره الكوري الجنوبي لي ميونغ باك، في واشنطن يوم 16 الشهر الجاري.
وقد ندّد لي، أمس، بشدة بتهديد كوريا الشمالية بشنّ هجوم نووي على بلاده. وقال إن «كوريا الشمالية تزعم دعم استقلال أمتنا لكنها في الواقع تهدّد إخوتها الكوريين الجنوبيين وتمثّل عقبة أمام السلام والأمن في العالم». ورأى أن هناك الكثير من المهمات غير المنجزة في كوريا الجنوبية لجهة العلاقات مع كوريا الشمالية، مضيفاً «لدينا تقليد يبعث على الفخر في التعاون للتغلب على الصعوبات».
وينتهي المحللون إلى أن ثمة احتمالات تصعيدية في اللهجة الأميركية، وتشديد مبدأ العقوبات على كوريا الشمالية، وستحاول واشنطن إقناع روسيا والصين بضرورة عزل كوريا وتصعيد العقوبات ضدها، لكن كل هذا لا يرتقي إلى حد تجريد كوريا من قدراتها النووية الجديدة، أو الدخول معها في مواجهة عسكرية قد تشعل فتيل حرب ثالثة في منطقة شبه الجزيرة الكورية.