باريس ــ بسّام الطيارةمنذ أن وصل الرئيس الأميركي، باراك أوباما، إلى البيت الأبيض، تسارعت وتيرة الأمور في الشرق الأوسط، وفُرِدَت مجمل ملفات المنطقة على طاولة البحث، ما انعكس على وتيرة عمل فرق الدبلوماسية الفرنسية. إلا أن بعض الخبراء الفرنسيين بدأوا «يلاحظون» أنه لم يتغير شيء، رغم الخطاب، ويزيد آخرون أن الأمر يبدو كأنها ألوان جديدة لمرحلة سابقة. ويشيرون إلى أنه بعد مرحلة التفاوض المباشر (مدريد وأوسلو) ومن ثم مرحلة «التفاوض السري» جنيف وماربيا، ومن بعدها مرحلة خرائط الطرق والرباعية قبل أن تعقبها مرحلة «مؤتمرات المساعدات»، جاء وقت «مرحلة الخطابات».
فقد انتظر الجميع كثيراً خطاب أوباما الذي أعلن منذ انتخابه، والذي بقي معلقاً إلى أن جاء خطاب بنيامين نتنياهو. ويضيف الخبراء ما يراه البعض بديهياً: «لا يوجد أي تقدم على طريق السلام».
ورغم «عودة أميركا إلى الساحة»، لا تخفي الدبلوماسية الفرنسية بعض المفاخرة بأن دبلوماسية واشنطن تسلك المنهج نفسه، الذي أسست له باريس منذ وصول نيكولا ساركوزي إلى السلطة. ولا يتردّد مصدر مقرب من الإليزيه بالقول: «أثبتنا صحة مقاربتنا لحلحلة الأمور». ويسترسل قائلاً: «لقد أثمرت سياسة انفتاحنا على سوريا. يكفي أن تنظر إلى النتائج في لبنان». ويضيف، تعليقاً على زيارة جورج ميتشل إلى سوريا: «لقد أخذ الأميركيون أيضاً طريق دمشق». ويرى أن «خبرة الدبلوماسية الفرنسية تألقت بعدما ابتعدت عنها الضغوط السياسية. ونحن أفضل من يعرف المنطقة. وسبق لنا أن قلنا إن حل قضية فلسطين يساعد في حلحلة عدد من الملفات من دارفور إلى أفغانستان».
وبالنسبة إلى المصدر نفسه، فإن «مقاربة باريس للملف الإيراني كانت الأفضل». ويفسر بأنه بين «تردد جورج بوش الذي كان يتوجس منه العالم شراً» و«التحضيرات الإسرائيلية لضرب إيران»، فإن باريس دعت دائماً «إلى تفاوض مع حزم»، وهو ما سيفعله أوباما.
وبدأ بعض التباين يظهر على صفحة علاقات باريس وواشنطن في ما يتعلق بالمنطقة؛ فرغم أن وزير الخارجية الفرنسي، برنار كوشنير، أعلن بعد لقائه ميتشل أن العاصمتين لهما «وجهات نظر مشتركة»، إلا أن الدخول في تفاصيل التصريحات المختلفة يظهر تبايناً واضحاً، وخصوصاً في البيان الذي صدر عن وزارة الخارجية الفرنسية بعد دقائق من خطاب بنيامين نتنياهو، والذي ورد فيه للمرة الأولى بصراحة رفض «الشروط المسبقة». وطالب البيان الفرنسي بـ«الذهاب أبعد من ذلك بكثير» لتحقيق السلام، إلى جانب السعي إلى «تحديد معالم الدولة الفلسطينية» العتيدة.
ويقول بعض المراقبين إن ساركوزي، الذي لم يتردد في الإعلان مراراً «صداقته لنتنياهو»، بدأ يتنبه إلى السياسة المتصلبة التي يتبعها التحالف الحكومي الإسرائيلي، ولم يتردد مصدر مقرب من الإليزيه من القول إن «مبدأ المجابهة» الذي يعتمده نتنياهو «لا يخدم مصلحة المواطنين الإسرائيليين»، وقد جاء خطابه الأخير ليزيد من هذا الاقتناع.
ويلفت البعض الانتباه إلى جملة وردت في نهاية بيان وزارة الخارجية، الذي يشير إلى أن «فرنسا وأوروبا مستعدتان، إذا رغب الطرفان في ذلك، لأن تقدما ضمانات لوضع مثل هذا الاتفاق موضع التنفيذ». ويرى هؤلاء أن هذه الجملة قد تشير إلى رغبة فرنسا بعدم استبعادها من «طريق الحلول» التي يمكن أن تسلكها الدبلوماسية الأميركية.
وقد انعكس الأمر أيضاً على بيان وزراء الخارجية الأوروبيين، رغم وجود بعض الأصوات التي تنادي بـ«ترك أميركا لتقوم بالعمل»؛ فقد وصف هذا البيان خطاب نتنياهو بأنه «الخطوة الأولية»، وطالب الحكومة الإسرائيلية بإعلان التزامها جدياً بالعمل لإقامة دولتين. وجدد البيان الإعلان عن «قلق» الاتحاد الأوروبي تجاه الأنشطة الاستيطانية وتفكيك المنازل العربية في الأراضي الفلسطينية المحتلة والقدس الشرقية. ودعا الدولة العبرية إلى «التوقف فوراً من دون شروط عن بناء المستوطنات».
ويقول أحد متابعي صياغة البيان إن فرنسا استطاعت إقناع شركائها بضرورة «إبقاء الضغوط على كل من واشنطن وتل أبيب»، خوفاً من أن يكون مصير «مبادرة أوباما التاريخية مثل مصير سابقاتها». وشدد ممثلو باريس على ضرورة «ذكر مبادرة السلام العربية» التي غابت عن خطاب نتنياهو ولم تُعط حقها في خطاب أوباما.
ويرى مراقبون أن ذكر «المقاربة الإقليمية» لتحقيق السلام في المنطقة هو شكل منمّق لدعوة الأطراف العربية لتوسيع المبادرة العربية والبدء بـ«تحرك تطبيعي» استجابة لطلب جورج ميتشل. إلا أن أحد المقربين من هذا الملف أشار إلى أن مطالبة الدول العربية بخطوات تطبيعية كانت صالحة لدفع إسرائيل نحو طريق التفاوض وصولاً إلى حل، وذلك قبل خطاب نتنياهو. أما اليوم، بحسب المصدر، فقد باتت هذه المطالبة صعبة جداً في ظل الاستقبال السلبي جداً للخطاب.