قال الأوروبيّون أشياء كثيرة عندما اختاروا غالبية يمينية لتمثيلهم في برلمانهم الأوروبي. قالوا أموراً تتعلق أساساً بالداخل الأوروبي، اقتصادياً على وجه التحديد، لكنهم بعثوا أيضاً برسالة خارجية قوية: لا نريد أتراكاً بيننا
أرنست خوري
كثيرون هم ضحايا الانتخابات الأخيرة للبرلمان الأوروبي، التي شهدت أقل نسبة مشاركة شعبية منذ اقتراع عام 1979. تصويت ضئيل أوصل غالبية يمينية ويمينية متطرفة وأخرى محافظة معادية للاتحاد الأوروبي، وعلى الأقل، رافضة لتوسيعه كي يضم دولاً «غير مسيحية» أهمها تركيا، بلد الـ 70 مليون «مسلم عثماني» كما ذيّلت أحزاب أوروبية عديدة حملاتها الانتخابية.
صحيح أنّ الخوف من تركيا كان أحد الشعارات المركزية التي أسهمت في خسارة أحزاب اليسار الجذري والتيار الاشتراكي الديموقراطي (الليبرالي)، وحتى أحزاب الوسط والخضر، غير أنّه يستحيل إدراج هذا الشعار في صدارة عوامل فوز اليمين بشكل ساحق. مئة سبب وسبب تسبق «العامل التركي»: الأزمة الاقتصادية العالمية، وضآلة الوزن السياسي للاتحاد الأوروبي عالمياً في مقابل القوى العملاقة (الولايات المتحدة وروسيا والصين والقوى الإقليمية الصاعدة)، وفقدان ثقة «شعب أوروبا» بنموذج ديموقراطية اتحادهم بسبب المساحة الهائلة التي تفصل بين مؤسساته وشعوبه، وظاهرة استيقاظ شيطان القوميات الوطنية الضيقة في العالم عموماً.
خلاصة القول إن تركيا تلقّت، بنتيجة الانتخابات، صفعة جديدة بالنسبة إلى احتمالات تقدّم ملف ترشيحها للعضوية الكاملة في النادي الأوروبي، رغم أن مفاوضاتها لا تتعلّق بالبرلمان الأوروبي، إذ إنها من اختصاص مجلس الاتحاد المؤلف من رؤساء الدول والحكومات الأوروبية. إلا أنّ وصول غالبية برلمانية محافظة، رافضة لوجود «الأتراك في منزلنا»، يعطي فكرة واضحة عن المزاج الشعبي وخياراته في ما يتصل بالأحزاب التي تمثّل آراءه بكل ما يتصل بالسياسة الخارجية لاتحاده الاندماجي.
وبات الأتراك شبه معتادين الصدمات الأوروبية التي كرّسها وصول «الأنتي ــ أتراك» نيكولا ساركوزي قبل عامين إلى الرئاسة الفرنسية. ورغم ذلك، أفردت الصحف التركية تقارير موسعة للحدث الأوروبي، مشيرة في غالبيتها الساحقة إلى أن ما حصل «يبعد عنا الحلم الأوروبي أكثر فأكثر»، رغم حالة شبه الإنكار التي يعيشها حكام أنقرة إعلامياً، والتي عبّر عنها وزير الخارجية أحمد داوود أوغلو بقوله إنّ «تغيير موازين القوى في أوروبا لن يؤثّر على العلاقات الأوروبية ـــــ التركية». ولفت مصدر تركي «رفيع المستوى» إلى أنّ أنقرة «لا تزال تقوّم نتيجة الانتخابات وهي مستمرة في مسيرتها الأوروبية حتى نيل العضوية الكاملة».
ومن بين ما أزعج الأتراك، فوز حزب «المسيحيين الديموقراطيين» في ألمانيا، بما أن ذلك سيبقي النائبة ريا أومن ـــــ روجيتن في منصبها الحالي كمقررة الشؤون التركية في البرلمان الأوروبي. ومن أصل 736 مقعداً يتألف منها البرلمان، يأتي تصنيف حزب «الشعب الأوروبي» (يميني معارض لدخول تركيا) أولاً مع 267 نائباً في مقابل الحزب الاشتراكي الأوروبي مع 159 مقعداً والباقي موزّع على أحزاب يسارية وبيئية ويمينية فاشية.
واعترف النائب الاشتراكي يان مارينوس فيارسما بأن تركيا ستتضرّر من هذه النتائج، محاولاً الدفاع عن أنقرة، عندما رأى أنّ ملف عضويتها لم يكن السبب الأهم لخسارة أحزاب اليسار على حساب صعود اليمين. كلام هدفه دحض نظرية أن تركيا أصبحت «عبئاً» على الأحزاب الأوروبية التي تدافع عن عضويتها.
خلاصة حاول كبير محللي «مركز الأزمات الدولية»، هيو بوب، تثبيتها في قوله «يجب ألا نبالغ في نسب أسباب فوز اليمين إلى القضية التركية». وأصرّ على أن خسارة اليسار تعود إلى عوامل داخلية أولاً وليس قضايا متصلة بالسياسة الخارجية الأوروبية. نظرية تفيد أنّ على تركيا الانتظار حتى تتحسّن الظروف الاقتصادية عند الأوروبيين لكي ترتفع بورصة حظوظها بأن تصبح يوماً ما أوروبية بالكامل. غير أن هذه الفرضية تحتمل الدحض بما أنّ مشاعر «الكزينوفوبيا» و«الإسلاموفوبيا» باتت بحسب عدد من المراقبين، ظاهرة ثقافية عامة ومستقلة لا تتعلق بالضرورة بجذور طبقية ـــــ اجتماعية ـــــ اقتصادية.
تبقى الإشارة إلى ملاحظة جديدة ولدت مع البرلمان الأوروبي الجديد، قد تخفّف من الحزن التركي، وهي وصول 4 نواب من أصول تركية إلى السلطة التشريعية الأوروبية هم: أمين بوزكورت (اشتراكي هولندي) واسماعيل أرتوغ (اشتراكي ألماني) ومتين كازاك وفلذ هوسمانوفا (حركة الحقوق والحريات البلغارية).