خاص بالموقعبول الأشقر
تخطّت الأرجنتين في نهاية الأسبوع عتبة المئة قتيل من آثار أنفلونزا (إتش إن وان إي وان) (أنفلونزا الخنازير). والأرجنتين هي ثالث دولة من حيث عدد الوفيات من جرّاء الوباء بعد الولايات المتحدة والمكسيك، وقد تحوّلت إلى مرقب بالنسبة إلى منظمة الصحة العالمية لما يمكن أن يحصل في الشتاء المقبل في أوروبا وآسيا.

يُقال في الأرجنتين عن الرئيسة كريستينا كيرشنير إنها «مثل طائرة الإيرباص، عندما تستدعي المصائب، تأتيها بالجملة»، في إشارة إلى هبوط طائرات الشركة في البرازيل وجزر القمر، ولكن أيضاً إلى أداء الرئيسة التي بكّرت بموعد الانتخابات النيابية في بلادها لتحاشي آثار الأزمة الاقتصادية، فحصدت فشلاً ذريعاً فيها. كأنه لم يكن ينقص كيرشنير إلا تفشّي الوباء الذي قطف في نهاية الأسبوع ضحيته الرقم 100 في بلاد التانغو.

وتزامنت فترة الانتخابات مع انتشار الوباء، وهو ما جعل الموضوع يتسيّس أكثر من اللزوم، لدرجة أن الرئيس السابق كارلوس منعم علّق متسائلاً «أهي الغريب أ (كما يسمّون الفيروس في أميركا اللاتنية)، أم الغريب ك؟» نسبة إلى الزوجي كيرشنير.

من المؤكد أن السياسة الأرجنتينية شوّشت على تفشّي الوباء بسبب انهماك الجميع ـــــ حكومة ومعارضة ـــــ بالانتخابات، وهو ما أكّدته استقالة وزيرة الصحة فور صدور نتائج الانتخابات، وهي التي كانت تطالب في الأشهر الأخيرة بتغيير الأولويات وتأجيل الاستحقاق. لكن يبقى أنّ السبب الأساسي لـ«تأخّر» ردة الفعل الرسمية يكمن في الهيكلية الاتحادية لنظام الصحة الذي تُوزَّع بموجبه المسؤوليات والموازنات على المحافظات. فشل تجلّى في الاجتماع الذي لم يحصل إلا قبل أيام قليلة بين وزير الصحة الجديد خوان لويس منصور ووزراء الصحة في المناطق. وعلى أثر الاجتماع، استُبدلت مركزة الفحوص ولامركزية الأدوية، بلامركزية الفحوص ومركزة الأدوية بيد السلطة المركزية لتوزيعها وفقاًً لأولوية الحاجات.

وقارنت مجلة «ذي إيكونوميست» بطء ردّ الفعل الأرجنتيني بالتصرف التشيلي التي اعتبرته «أسرع وأكثر تنسيقاً وجزماً، فضلاً عن أن الرئيسة ميشال باشليه طبيبة» لتفسير مستوى الوفيات الأعلى في الأرجنتين مقارنة بالدول الأخرى.

وفيما أعلن الرئيس الأميركي باراك أوباما أن اللقاح سيكون متوافراً في الولايات المتحدة في تشرين الأول المقبل، تراقب منظمة الصحة العالمية، بدقة، «أداء» هذا الفيروس الجديد الذي يمزج بين مستوى متدنٍّ نسبياً للوفيات، مع تدهور سريع للحالة الصحية لبعض المصابين، وخصوصاً بين الشباب منهم. وقد دعت المنظمة إلى اجتماع تقويمي جرى في مكسيكو سيتي بمشاركة الرئيس فيليبي كالديرون و15 وزير صحة وممثلّين عن 45 دولة لاستخلاص «الدروس المكتسبة والإعداد للمستقبل».

وشدّدت مديرة المنظمة مارغريت تشان على ضرورة «متابعة ما يحدث في دول الجنوب الباردة التي تمر حالياً في فصل الشتاء» مثل الأرجنتين والتشيلي (25 وفاة) والأوروغواي (12 وفاة) واعتبارهم نماذج لما قد يحصل في فصل الشتاء المقبل في أوروبا وآسيا.

وفي العودة إلى الأرجنتين، بدأت اليوم العطلة المدرسية التي تدوم أسبوعين، وذلك قبل موعدها الأصلي. وكان الفيروس قد انتشر في ولايتي بوينس آيرس (47 ضحية) وسانتا في (22 ضحية)، إضافة إلى العاصمة بوينس آيرس (7 ضحايا). ومنها انتقل إلى باقي المحافظات. وبحسب آخر الأرقام، يبدو أن تفشّي الفيروس بدأ يتراجع في هذه المناطق، فيما لا يزال يعرف نمواً مطرداً في المحافظات الأبعد عن مركز الوباء.

ومرة أخرى، تضاربت التوجيهات الرسمية في نهاية الأسبوع الماضي، إذ أعلنت الحكومة يوم الجمعة الماضي «إجازة صحية» شملت القطاع العام، وعُمّمت على المصارف والجسم القضائي والمحافظات، فيما أصرّت إدارة العاصمة (المعارضة) على اعتباره يوم عمل عادياً. وإذ بدا وسط بوينس آيرس، مدينة ميتة، فقد بدأ العمل في الضواحي في 30 مستشفى نقّالاً تتوزع بين الأحياء الفقيرة. وفيما أقفلت جميع المسارح في هذا البلد المشهور بالعدد الهائل لصروحه الثقافية، لفترة عشرة أيام، عانت السياحة البحرية بسبب البرد القارس، ولكن خصوصاً نتيجة إقفال مراكز الترفيه مثل الكازينوهات.

ودلّ استطلاع للرأي على أن نصف سكان العاصمة ألغوا سفرهم إلى الشاطئ، رغم أن جميع المطاعم والفنادق وعدت بتوفير الوجبات داخل الغرف، فيما توقف 70 في المئة من المستطلعة آراؤهم عن الذهاب إلى الأماكن العامة. ويخشى 80 في المئة من المواطنين الإصابة بالأنفلونزا. دليل لا مجال للتشكيك فيه في بلد يُعدّ فيه استهلاك شاي «المتّي» عادة ثقافية متجذرة: بدأت الدعايات تنصح بـ«عدم مشاركة الآخرين وعاءكَ، وبعدم نقله من يد إلى يد».