عنف طائفي وعرقي برعاية حكوميةديما شريف
لم تكن الأحداث الطائفية التي عصفت بماليزيا بداية العام الجاري، الأولى في التاريخ الحديث لهذا البلد المتنوّع إثنياً وطائفياً؛ فالاحتكاك الدائم بين إثنياته المتعددة واعتماد دستوره على التشريع الإسلامي كان مصدراً دائماً للقلاقل وسبباً للأزمات بين إثنياته ودياناته المتعددة.
بداية هذا العام، تعرضت تسع كنائس ومعبد للسيخ ودير للراهبات، خلال أربعة أيام، لهجمات بالزجاجات الحارقة من قبل متشددين مسلمين غاضبين من قرار المحكمة العليا السماح للمسيحيين باستخدام كلمة «الله» في مطبوعاتهم.
وكانت الصحيفة الكاثوليكية «ذي هيرالد» قد رفعت دعوى أمام المحاكم، بعدما طلبت منها الحكومة منذ فترة التوقف عن استعمال كلمة «الله» في لفظها العربي، وهي نفسها في لغة المالاي التي تعتمدها أغلبية الماليزيين. وحكمت المحكمة لمصلحة الصحيفة، وهو ما لم يعجب الحكومة التي استأنفت القرار. وصادرت عشرة آلاف إنجيل مكتوب بلغة المالاي وفيه كلمة «الله».
أعطت الحكومة، التي تمثّل «المنظمة الوطنية للوحدة الماليزية» أكبر حزب فيها، الضوء الأخضر لمناصريها للتظاهر سلمياً ضد القرار، لكنّ الأمور خرجت عن سيطرتها وبدأت الاعتداءات على الكنائس.
ويقول مناصرو الحكومة إنّ السماح للمسيحيين باستخدام كلمة «الله» سيجعل الأمور مبهمة على بعض المسلمين الذين سيتحولون إلى المسيحية، وهو أمر غير شرعي في بلد يمثّل الإسلام ديانته الرسمية. ويستغرب بعض الناشطين في مجال حقوق الإنسان هذا العذر، فمن غير المنطقي أن يتحوّل أحد إلى دين آخر لأنّه يستخدم اللفظ نفسه.
وساهم هذا الوضع في توتير العلاقات بين المالاي، الذين يمثّلون الجزء الأكبر من السكان وغالبيتهم من المسلمين من جهة، والصينيين والهنود وغالبيتهم من المسيحيين من جهة ثانية.
ورأى مراقبون أنّ قرار الحكومة انقلب عليها، وخصوصاً أنّه أضرّ برئيسها نجيب رزاق، الذي يعتمد سياسة «ماليزيا واحدة» منذ تسلمه السلطة في نيسان من العام الماضي. وحاول رزاق التعويض عن الصورة التي ظهرت فيها الحكومة، وزار إحدى الكنائس المتضررة وقدم شيكاً بمبلغ 150 ألف دولار لإعادة بنائها في موقع آخر، في تجاوز كبير للقوانين، إذ من الصعب جداً في ماليزيا الحصول على إذن لبناء كنيسة أو معابد نظراً إلى السيطرة المعنوية والقانونية للشرع الإسلامي.
وتوصلت الحكومة، أمس، إلى تسوية عبر السماح لغير المسلمين باستخدام كلمة «الله» في ثلاث ولايات فقط، هي بينانغ وصباح وساراواك إلى جانب الأراضي الفدرالية، كما قال وزير الدولة سري نظري. وبرر الوزير هذا السماح الجزئي بأنّ الولايات الأخرى تمنع من خلال قانونها استخدام غير المسلمين هذه الكلمة وتعاقبهم على ذلك.
وكان نظري قد اقترح الأسبوع الماضي السماح للمسيحيين المالايين الشرقيين باستخدام كلمة «الله» ومنع المسيحيين المالايين الغربيين عن ذلك، لكن الحكومة لم تأخذ باقتراحه.
ويرى بعض المحللين أنّ الخط الذي يفصل بين العرق والدين كمفهوم في ماليزيا يختفي تباعاً مع الحكومة الحالية وحزب المنظمة الوطنية (وهو حكر على المالاي المسلمين ويرفع شعار «مالاي أولاً») الذي يرأسه رئيس الحكومة. فالحكومة بقيادة الحزب الإثني تركز كثيراً على القضايا العرقية لحصد المساندة من الناس، تعويضاً عن تراجع شعبية قيادييها.
وهكذا أصبحت كلمة مالاي في ماليزيا تعني مسلم، رغم وجود عدد كبير من هؤلاء ممن يعتنقون المسيحية. ويجادل بعض المسيحيين الماليزيين في أنّ كلمة «الله» لم تكن في تاريخ الإسلام حكراً على المسلمين في أيّ من الدول، وهي موجودة في كتب الأقباط الدينية منذ قبل ظهور الرسالة الإسلامية.
وتعتمد ماليزيا نظاماً قضائياً مزدوجاً يحق فيه للمحاكم الإسلامية محاكمة المسلمين وتطبيق أحكام الشريعة. وبعدما كان تطبيق القانون يتسم بمرونة نسبية في الماضي، أصبح الآن أكثر تشدداً مع توسع سلطة المحاكم الإسلامية.
ففي تموز 2009، حكم على عارضة أزياء ماليزية بتلقي ست ضربات عصا بتهمة تناول الكحول في ملهى ليلي في أحد الفنادق. ولم ينفذ حتى الآن الحكم، الذي أثار حملة تعليقات في الصحافة الدولية، وحرك المخاوف من أن تهدد الشريعة التقليد العلماني الذي كان متبعاً في السابق.
وفي 2008، بعد الانتخابات العامة التي خسر فيها حزب «المنظمة الوطنية للوحدة الماليزية» بعض جمهوره، بدأت بعض مظاهر التطرف. وخلال اجتماع لنقابة المحامين كانت تناقش فيه أحكام المحاكم المدنية والشرعية، اقتحم أحد أعضاء حزب المنظمة الوطنية المكان وصرخ في الموجودين «المرة المقبلة لا تناقشوا ما يشكك في مناصري الإسلام». وخارج القاعة تجمّع نحو ألف من مناصري الحزب الحاكم يصرخون «خنازير»، «خونة» و«عودوا إلى الصين».
وبعد أسبوع من هذه الحادثة، اقترح أحد النواب المعارضين، ويدعى خالد إبراهيم، أن تخصص عشرة في المئة من المنح في جامعة مارا التكنولوجية لمن ينتمون إلى أعراق أخرى، أي غير المالاي. فتظاهر المئات من الطلاب اعتراضاً على اقتراحه بدعوة من وزير التعليم المنتمي إلى حزب المنظمة. وبعد هذه الحوادث، هدد رئيس الوزراء آنذاك عبد الله بدوي باللجوء إلى قانون يحاكم كلّ من يتناولون القضايا الحساسة مثل العرق والدين.
أما اليوم فيخاف بعض المراقبين من أن يتأزم الوضع ويتخطى الاعتداءات البسيطة على الكنائس ليتطور إلى حرب أهلية طائفية ـــــ عرقية. ويتذكر البعض أيار 1969، حين اندلعت أعمال شغب دامية استهدفت الأقلية الصينية في البلاد.


مواجهات سابقةحينها لجأت الصحيفة إلى القضاء الذي حكم في 31 كانون الأول بحقها في استخدام كلمة «الله». وفي 2008 رأت الحكومة أنّ الصحيفة تتعرض بالإساءة إلى الإسلام لنشرها موضوعاً بعنوان «أميركا والجهاد»، يحلل كاتبه الوضع في الولايات المتحدة بعد أحداث 11 أيلول.
يذكر أنّ المالاي، وأغلبهم من المسلمين، يمثّلون ما يقارب الـ 60 في المئة من السكان، فيما الصينيون 23.7 في المئة. أما الهنود فهم 7.1 في المئة، والبقية هم من السكان الأصليين.