يموت المشرّدون في فرنسا بسبب البرد إلى جانب بعض المهاجرين الذين يخافون التوجه إلى الملاجئ خوفاً من الترحيل، فيما استفاقت إيطاليا على مشهد طرد سكان إحدى البلدات للعمال المهاجرين منها
باريس ــ بسّام الطيارة
يلفّ الصقيع أوروبا من شمالها إلى جنوبها برداء أبيض. ويضبط البرد إيقاع الحياة اليومية. يضاف إلى ذلك صعوبة التنقل والاستفادة من شهر التنزيلات الذي يفترض أن يسخن همة المستهلكين في ظل أزمة اقتصادية وتراجع القوة الشرائية لأكبر سوق استهلاكية في العالم.
رغم هذا، فإن «الضيق الاقتصادي» يتحول رويداً رويداً إلى «غياب التسامح» الذي كان ميزة أوروبا في سنوات البحبوحة الاقتصادية. ففي فرنسا «يتساقط المتشردون» يومياً صرعى البرد والجوع في غياب أيّ رد فعل كما كانت الحال في السابق. وتتوالى تقارير الشرطة لتعطي معلومات مملّة عن «موت محتمل من البرد». الفارق اليوم أنّ أعمار المتوفين من الجوع والبرد والتشرد في تراجع رهيب. ففي بوردو الجنوبية، أعلن أخيراً اكتشاف جثة لشاب ثلاثيني قضى بسبب البرد والجوع «في المكان نفسه الذي اكتشفت فيه جثة مشرد في السنة الماضية». وتتوقع الجمعيات الناشطة أن «تتكشف أرقام ضحايا البرد» مع زوال موجة الصقيع. كما ترى بعضها أنّ عدداً كبيراً من «المهاجرين الذين لا يحملون أوراقاً رسمية» يهربون من التجهيزات التي تحاول الجمعيات والمؤسسات الخيرية وضعها في متناولهم لتأمين «بعض الدفء لهم» في أوج موجة البرد التي لم تشهد أوروبا مثيلاً لها منذ عقود. إلا أنّ الجمعيات تؤكد أنّ أعداداً متزايدة من «المهاجرين غير الشرعيين» يأبون التوجه إلى الأماكن التي يعلن عنها خوفاً من أن يتم القبض عليهم وترحيلهم، بعد الحديث عن عدة حالات ترحيل قسري.
يأبى المهاجرون التوجّه إلى الملاجئ خوفاً من ترحيلهم قسراً
وبالطبع، ما حصل خلال نهاية الأسبوع في إيطاليا لن يشجع «مهاجري الاتحاد الأوروبي» على الاستكانة لشعارات الـ«رخاء والتسامح». فقد استفاق الأوروبيون على صور وحشية لمطاردة أهالي قرية «روزارنو» (١٥ ألف نسمة) في وسط جنوب إيطاليا للمهاجرين غير الشرعيين. فأوسعوهم ضرباً وركلاً، مسبّبين سقوط ٦٧ إصابة (حسب تقارير أولية)، بعدما احتل الأهالي بلدية القرية احتجاجاً على «استضافة وحوش»، في إشارة إلى المهاجرين من أصل أفريقي في معظم الحالات.
ويعمل في المنطقة منذ سنوات نحو ٤ آلاف من المهاجرين غير الشرعيين في قطاف الليمون. ويردد البعض أنّ «المافيا الإيطالية» تضبط هذه العمالة وتسهلها، رغم احتجاجات عديدة من جمعيات ناشطة بسبب «الظروف غير الإنسانية»، وصلت إلى أن «تنبيه» المفوضية العليا لشؤون اللاجئين الحكومة الإيطالية لضرورة «تطبيق حد أدنى من الشروط الصحية الإنسانية» في أماكن تجمع اللاجئين.
وانطلقت الشرارة الأولى بعدما أطلق مجهولون «الخردق» للتسلية على «مؤخرة العمال» في طريق عودتهم من الحقول، وهو ما يحصل دائماً حسب تصريح عدد من العمال. إلا أنّه، يوم الخميس، وبسبب تزايد عدد الجرحى، قرر المهاجرون النزول إلى القرية للاحتجاج «على معاملتنا مثل حيوانات السيرك» وكسروا عدداً من السيارات وواجهات المحال. فما كان من أهالي القرية إلا أن قاموا بـ«حملة تأديبية» رافقتها تصريحات عنصرية. فجاء في افتتاحية صحيفة «لو جورنال» المحلية، لصاحبها رئيس الوزراء سيلفيو برلوسكوني، وصف العمال المهاجرين بأنّهم «عبيد» وأنّ عليهم «عدم المجيء إلى إيطاليا». وأضافت الصحيفة أنّ العمال «يأخذون وظائف يبتعد الإيطاليون عنها» لتصل إلى خلاصة تقول بوجوب «عدم استغلالهم».
وأرسلت وزارة الداخلية تعزيزات إلى المنطقة لـ«تأمين نقل المهاجرين على وجه السرعة» إلى منطقة في الشمال. هذا الواقع أثار عدداً من التعليقات لدى الناشطين في مجال حقوق الإنسان حول تصرف الشرطة التي تلجأ إلى «تهريب» المعتدى عليهم بدل أن تفرض الأمن، وتترك المعتدين يسرحون أحراراً من دون أي ملاحقة قضائية رغم صور التقارير التلفزيونية التي أبرزت «كيف يقيم المواطنون العدل» بأنفسهم.