«نصر» أطلسي يظلله تعتيم إعلامي... ومفاوضات مع «طالبان» شهيرة سلّوم
قبل نحو أسبوع، جرت احتفالات في بلدة مارجه ـــــ هلمند. رُفع العلم الأفغاني في إشارة إلى استعادة السيطرة على البلدة من «طالبان» بعد حملة «مشترك» العسكرية التي انطلقت قبل أقل من ثلاثة أسابيع وعُدّت الأكبر منذ الغزو، لجهة الحجم والأهداف وأهمية مارجه لكونها حاضنة «طالبان» والهيرويين، وكونها أول اختبار لاستراتيجية باراك أوباما الجديدة.
قادة القوات الأميركية والأفغانية أعلنوا انتهاء الحملة «بنجاح» و«تطهير» مارجه والاستعداد لقندهار. تعتيم إعلامي رافق الحملة، ولم تُعلن أعداد القتلى في وقتها، بل انتُظر إعلان قوات «إيساف» خسائرها خلال شهري كانون الثاني وشباط من العام الحالي، التي ناهزت مئة وعشرة قتلى، الأكبر منذ الغزو.
خسائر كانت متوقعة، وجرى إعداد الرأي العام لها. لكن قادة الحملة أصرّوا في كل مرحلة من مراحل العملية على أن النجاح كان رفيقهم وأن عناصر «طالبان» كانوا يتهاوون أمام الجيوش الغازية. قالوا إن أكثر من 100 من القوات الخاصة المدججة بالسلاح فتشوا مع عناصر الجيش الأفغاني في الأيام الأخيرة للحملة الزوايا الشمالية. لم يشاهدوا أي طالباني، ولم يحتج «المارينز» إلى إطلاق حتى رصاصة واحدة خلال التمشيط الأخير باستثناء الرصاصات التي أُطلقت على كلاب حراسة أفغان هدّدت الوحدة القتالية.
في بلدة كمارجه، مركز عالمي للهيروين، حيث علاقة «طالبان» بالسكان المحليين كعلاقة راعٍ برعيته، يستحيل تمييز عناصر الحركة عن السكان، وسقوطها بهذا الشكل من دون مقاومة تُذكر في أقل من شهر، يعني أحد الاحتمالين: الاحتمال الأول، أن تكون «طالبان» قد استدرجت القوات المهاجمة التي تمتلك أحدث التقنيات القتالية إلى أرضها، كأحد تكتيكات «حرب العصابات» لاكتساب ميزة الأرض. ففي النهاية، يستحيل على مجموعة مسلحة بقدرات «طالبان» أن تتصدى للقوات الجوّية الأطلسية، لكن يمكنها أن تلاعبها على أرضها.
ويقول الخبير الأفغاني أحمد رشيد، في ردٍّ على تساؤل عند إطلاق العملية عما إذا كان مقاتلو «طالبان» سيتصدون للمهاجمين: «لا اعتقد أنهم سيبقون ويقاتلون، سيضعون مقاومة قليلة. وسيعيشون كي يقاتلوا يوماً آخر. مهما يكن، لا يمكنهم أن يقاتلوا القوة الجوية».
وفي الأيام الأخيرة «النظيفة» التي أنهت عملية «مشترك» من دون إطلاق رصاصة واحدة، رجح القائد العسكري الأفغاني عبد الهالي هوجم، الذي أمضى عقدين من التعاطي مع المسلحين الأفغان، أن يكون عناصر «طالبان» قد دفنوا أسلحتهم وذابوا مع السكان المحليين. يقول: «هم ليسو أغبياء. سأفعل الشيء نفسه إن كانت جحافل القوات الخاصة آتية في طريقها إلي».
ورغم أن التقارير قالت إن المئات، بل الآلاف، فروا من منازلهم مع إطلاق حملة «مشترك»، فإن الغالبية من السكان الذين يعدون مئة ألف، بقوا في منازلهم. وانتهاء «مشترك» لا يعني أبداً النهاية. هناك التحدي الذي تواجهه القوات الأميركية في حال تفخيخ المدينة، فقد سبق أن كلفتها الألغام ثمناً دموياً غالياً. إلا أن الخبرة التي اكتسبتها في معارك الرمادي وفلوجة العراقية، يفترض أن تكون قد لقنتها كيفية التعامل مع هذه الفخاخ، وأن تكون الصناعات الحربية أيضاً قد طورت آليات عسكرية «ميليتاري روبوتس» (التي تتقدم الجنود) قادرة على كشف هذه الفخاخ وتفتيتها. ويُعتقد أن هناك آلاف الألغام التي زُرعت حول مارجه.
الاحتمال الثاني يتعلّق بالدبلوماسية الجارية على قدم وساق مع المعارك الميدانية. مبادرات سلام وخطط دمج «طالبان»، التي يتوسط فيها فاعلون إقليميون. وهناك أيضاً الاعتقالات التي تنفذها إسلام آباد في صفوف قادة الحركة، وفي مقدمتهم قائدها العسكري عبد الغني بارادار، الذي قيل إنه الرجل الأفضل للحوار، في إطار سعيها إلى أن تكون جزءاً من الحلّ السياسي. أمور تشير إلى أن كفة الميزان عند «طالبان» تميل إلى خيار التسوية السياسية والقبول بشراكة في السلطة. كذلك فإن عملية التفاوض مع زعماء القبائل واستمالتهم تصب في هذا الاتجاه.
لكن في المقابل، هناك من يقول إن مجرد صمود «طالبان» ثلاثة أسابيع قبل تسليم مارجه يعني نصراً في نظريات الحروب غير المتساوقة، في تكتيك يرجح أن تكون قد استخدمته في محاولة لتعزيز شروطها على طاولة المفاوضات.
الحرب لن تنتهي في مارجه، فقد أعلنها قائد القوات الأميركية ستانلي ماكريستال «البداية، وقندهار التالية». وبالتوازي مع عمليات «التمشيط والتطهير» المقبلين، يتوقع أن تستمر الجهود الدبلوماسية السرية والعلنية. وإذا كان باراك أوباما يريد إنهاء الحرب بعد أقل من عامين، فهذا يعني أن خيار التسوية والمشاركة في طريقه إلى كابول.