خاص بالموقع - معاقبة «غولدمان ساكس» بأكبر غرامة في التاريخ الأميركي وفرض رقابة صارمة عليها هما بمثابة رسالة إلى «وول ستريت» أنه لا يمكن مخالفة الأصول والإفلات من العقوبة
نيويورك ــ نزار عبود
توصلت مجموعة «غولدمان ساكس» المالية الأميركية العملاقة إلى تسوية خارج المحاكم تقضي بدفع تعويضات بقيمة 550 مليون دولار بعد ضبطها متلبسة بالاحتيال في أوائل العام الحالي. وفور الإعلان عن هذه الصفقة مع هيئة الرقابة المالية الأميركية، أول من أمس، شهدت بورصة «وول ستريت» صعوداً كبيراً في أسهم المجموعة بلغ 8 في المئة، معوضةً بذلك قسماً كبيراً من خسائرها نتيجة تراجع أسهمها، إذ إن التوقعات كانت تشير إلى أن الغرامة قد تصل إلى مليار دولار.
ومع ذلك، فإن الغرامة الأكبر في تاريخ الغرامات المالية الأميركية لا تزيد على 4 في المئة من أرباح المجموعة التي بلغت 14 ملياراً خلال عام من الركود، والمصائب المالية العابرة للقارات. وستنال الخزينة الأميركية منها 300 مليون، بينما يُعوّض على مصرفين أوروبيين بـ250 مليوناً خلال شهر، فينال مصرف «دويتشه بنك» الألماني 150 مليوناً، ويحصل مصرف «رويال بنك أوف سكوتلند» على مبلغ 100 مليون.
وقالت هيئة الرقابة المصرفية في بيان أصدرته بعد الاتفاق «هذا درس قاس لشركات «وول ستريت» مفاده أنه ما من خدمات مالية معقدة للغاية بحيث تستطيع الإفلات من دفع ثمن باهظ لمخالفتها المبادئ الأساسية لأصول التعامل النزيه».
القضية التي أُثيرت في الربيع الماضي هي إحدى أكبر فضائح الصناعة المالية الأميركية، بحيث وجّهت هيئة الرقابة الأميركية تهمة الاحتيال إلى المجموعة المصرفية الأكثر تأثيراً في الأسواق المالية. يُلجأ إلى مجموعة «غولدمان ساكس» في الأزمات لحل المشاكل وتوفير قروض الإنعاش وسندات القروض الحكومية للدول والشركات التي يزيد دخلها على عائدات دول. وهي التي توجه حركة السوق وتفتعل أحياناً فقاعات ما تلبث أن تنفجر بعد موجات صعود تطول أو تقصر.
وقد أخفت في 2007 تضارب المصالح بينها وبين عملائها داخل سندات «أباكوس»، ما أدى إلى إلحاق خسائر فادحة بهم، وحققت مكاسب من هذا التضارب. ورفضت الشركة الإقرار بالتهم أو نفيها في التحقيق، وسعت إلى التسوية خارج المحاكم كي لا تتعرض للمزيد من الأذى في سمعتها.
إضافة إلى أنه ليس من مصلحة الاقتصاد الأميركي المتعثر أن يتحول القطاع المصرفي إلى قصة تلوكها الألسن إذا دخلت القضية قاعات المحاكم. واكتفت المجموعة بالتعهد لزبائنها بإجراء إصلاحات إدارية لتفادي تكرار ما حصل، إصلاحات تشمل منهج تسويقها للقروض والمشتقات المالية المتعلقة بها.
وفي إطار الاتفاق والتسوية، يتعيّن على «غولدمان ساكس» الالتزام بنمط تعامل محدد لمدة ثلاثة أعوام تبقى خلالها تحت رقابة مشددة. وستضطر إلى الإبلاغ خطياً عن تطبيقها للأنظمة بصورة دورية.
ومن ضمن الإجراءات التي ستتخذها توسيع دور لجنة رأس المال في إقرار منح القروض العقارية المستندة إلى الأوراق المالية والأسهم. وستراجع أيضاً الدائرة القانونية كل عروضها السوقية المطبوعة، فضلاً عن قائمة بكل أسماء الأشخاص الذين دقّقوا في القروض وأقرّوها بالتواريخ. وستجري المجموعة تفتيشاً حسابياً ما لا يقل عن مرة في العام للتحقق من أن الإجراءات المرعية تلبّي شروط هيئة الرقابة. وإذا ما كانت المجموعة هي الهيئة الاستشارية لسلعة مالية تابعة لشركة أخرى، فلا بد أن تلتزم الشركة الأخرى، حتى ولو كانت أجنبية، بالواجبات الرقابية.
ومن ضمن الشروط التي فرضتها هيئة الرقابة على المجموعة، والتي تصلح لمراعاتها في الخارج، أن يخضع موظفو الشركة المختصين بمنح القروض لدورات تدريبية منتظمة على الممارسة العملية القانونية السليمة. وهذا ينسحب على الموظفين الجدد والقدامى.
لكنّ الأزمة على ضخامتها لم تطل المدير التنفيذي الأول للمجموعة، لوي بلانكفاين، الذي احتفظ بمركزه كرئيس في أيار الماضي. وقد واجه مع زملائه في مجلس الإدارة عشر ساعات من الاستجواب المُضني من قبل لجنة داخل مجلس الشيوخ، وسط اتهامات بأن المجموعة كانت بممارساتها المالية تقف خلف الانهيار الذي وقع في سوق العقارات الأميركية، والذي بدوره أدى إلى أفدح أزمة مالية عرفتها البلاد منذ ثمانين عاماً.
القضية التي واجهت المجموعة كشفت أيضاً بريداً إلكترونياً لأحد الموظفين (28 عاماً) إلى صديقته يتباهى فيه بأنه ربما يكون الناجي الوحيد من أزمة سوق العقارات الأميركية المتهاوية. الشخصية التي عُرفت باسم تور ستلاحقها هيئة الرقابة خارج إطار التسوية مع المجموعة.