h1>مفاعل «بوشهر» يخرج من القمقمبعد سنوات طويلة من التأخير والمماطلة، دخل مفاعل بوشهر الإيراني الكهرذري مرحلة العمل، ببدء ضخ الوقود النووي في محطة طال انتظارها بسبب التجاذبات السياسية الدولية وتغليب لعبة المصالح، فيما رأى البعض أن الحدث «نصر كبير جداً» لإيران

معمر عطوي
لم يكن موعد بدء تزويد محطة بوشهر النووية جنوب إيران بقضبان الوقود النووي، في 21 آب الحالي، سوى محطة أخيرة في سلسلة من محطات المواعيد العرقوبية التي لم تستطع روسيا معها الإيفاء بالتزاماتها، لأسباب كانت تحيلها أحياناً على المشاكل المادية وأخرى على أسباب تقنية بحتة وما إلى ذلك.
فالمحطة التي تأخرت 11 عاماً عن موعد الانتهاء من بنائها، خرجت أخيراً من قمقم التجاذبات السياسيّة، حيث تغليب لعبة المصالح على الالتزامات المهنية. فالروس الذين كانوا قد وعدوا الإيرانيين بتسليم المحطة في عام 1999، أدخلوا هذا المشروع في بازار المساومات السياسية، بغية الحصول على مكاسب أكثر من الجانب الأميركي، وفي الوقت نفسه، لم يستطيعوا التفلّت من التزامات عقد الاتفاق بشأن بوشهر كمفاعل سلمي لتوليد الطاقة لا يدخل في إطار العقوبات الدولية المفروضة على إيران. ولتأكيد هذه الفرضية، كان إعلان وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، قبل ثلاثة أيام من تدشين ضخ الوقود النووي، أن بناء محطة بوشهر يعزز معاهدة الحد من الانتشار النووي. وبدا أن حسم مسألة إنهاء مفاعل بوشهر، لم تعارضه الولايات المتحدة، ولا سيما بعدما أكد لها الروس استرجاع قضبان الوقود من إيران إثر استخدامها في المحطة، لمنع الأخيرة من توظيف مادة البلوتونيوم الموجودة في البقايا النووية، لصنع قنبلة ذرية.
ولا يمكن فصل ما واجهه بوشهر من تحديات، عن المفاوضات التي استمرت لسنوات بين واشنطن وموسكو، وأدت إلى توقيع معاهدة جديدة بشأن تحديد الأسلحة البالستية والنووية «ستارت 3». موسكو بدورها رضخت لإغراءات عديدة، منها وعود بأن تدخل منظمة التجارة العالمية وأعطائها دوراً أمنياً إقليمياً على مستوى أوراسيا، إضافة إلى طمأنتها لجهة تعديل خطة أميركية لنصب منظومة صواريخ في أوروبا الشرقية بالقرب من حدودها.
ولم يكن من السهل على روسيا، التي بلغ عقدها مع إيران بشأن بوشهر نحو مليار دولار، التنصل من تنفيذ المشروع، ولا سيما أن هناك أكثر من 2500 مهندس وخبير روسي يعملون في المدينة الإيرانية الجنوبية. لذلك، واصلت موسكو اللعب على حبلي واشنطن وطهران، فحصلت من الأولى على بعض المكاسب الاستراتيجية، وفي الوقت نفسه لم تخسر كل أوراقها مع جارتها الإسلامية، التي عُدّت في عام 2009 أكبر شريك تجاري لروسيا في الشرق الأوسط من خلال بلوغ حجم تبادلهما التجاري 3 مليارات دولار. فتخلي الروس عن مشروع بوشهر سيكون «ضرباً من الجنون»، على حد ما يرى المحلل الروسي، فيدور لوكيانوف، بعد كل الوقت والأموال التي أنفقت، فضلاً عمّا تمثّله إيران من أهمية لشركات الأسلحة الروسية، كزبون دسم يسعى إلى التسلح بكل الإمكانات. وهنا قد يكون من المفيد الإشارة إلى صفقة صواريخ أرض ـــــ جو «أس 300»، التي اتفقت إيران على تسلمها من موسكو، فدخلت بدورها بازار المساومات والخضوع لضغوط الغرب وإسرائيل.
ولعل الشكوك التي بدأت تظهر في تصريحات مسؤولي الكرملين عن قلق من وصول طهران إلى صنع قنبلة في وقت قريب، قد دفع موسكو مراراً إلى تأجيل تسليم بوشهر. كذلك إن دوائر الكرملين لم تكن مرتاحة لسياسة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد «الاستفزازية» في نزاعه مع الغرب.
ولمحطة بوشهر تاريخ طويل، بدأ منذ عام 1975، حين طلب شاه إيران الراحل، محمد رضا بهلوي، من شركة «زيمنس» الألمانية البدء بمشروع نووي يهدف إلى توليد نحو ألف ميغاوات من الكهرباء. لكن انتصار الثورة الإسلامية في عام 1979 وما تلاه من حرب مدمرة مع العراق لمدة ثماني سنوات أوقف العمل في بوشهر لما يزيد على 15 عاماً. وانسجاماً مع توجهات ألمانيا الحذرة من النظام الإسلامي المناهض للغرب، طلبت سلطات برلين من «زيمنس» التوقف عن بناء المفاعل، ما دفع الإيرانيين إلى التوجه نحو موسكو، التي تعهدت عبر شركة «أتوم ستروي اكسبورت» الروسية، البدء ببناء المفاعل في عام 1995.
وعقب مواقف متوترة بين الكرملين والحكومة الإسلامية خلال الشهور الأخيرة، أتت على خلفية موافقة موسكو على عقوبات جديدة ومشددة على إيران في مجلس الأمن الدولي، عادت روسيا إلى تطرية المناخات مع إيران، في محاولة لإنهاء البازار بشأن بوشهر. وكان إعلان «أتوم ستروي إكسبورت»، رفضها وقف العمل في مفاعل بوشهر، إلا بموجب قرار دولي يؤكد تنفيذ إيران لبرنامج تسلح نووي سري، وتأكيدها أن أي معلومات بهذا الخصوص تأتي من واشنطن يجب أن يراجعها خبراء من الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بدقه ويتحققوا منها ويؤكدوا صحتها.
وكانت إشارات إيجابية قد بدأت من موسكو بعد الفتور الذي ساد العلاقات في حزيران الماضي، حين دعمت روسيا إعلان طهران في 17 أيار الماضي، الذي تضمن اتفاقاً تركياً برازيلياً إيرانياً على تبادل الوقود النووي لتسليم وقود نووي إلى مفاعل طهران الطبي.
المفارقة أن مفاعل بوشهر الذي تهدف منه إيران إلى توليد 1000 ميغاوات من الكهرباء، والذي لا يكفي لتوفير حاجاتها التي قد تصل إلى 20 ألف ميغاوات، كان محل خوف لدى إسرائيل التي هددت بقصفه مراراً، فيما عدّته الولايات المتحدة ذريعة مهمة لمنع إيران من تخصيب اليورانيوم بنفسها.
أمّا الموقف الأبرز، فقد أتى على لسان مندوب أميركا الأسبق لدى الأمم المتحدة، جون بولتون، الذي رأى أن مفاعل بوشهر «نصر كبير... كبير جداً لإيران»، لأنه يعطي لإيران مساراً ثانياً للحصول على أسلحة بالإضافة إلى تخصيب اليورانيوم. لذلك كانت نصيحة بولتون، ضرب إسرائيل للمفاعل قبل بدء ضخ الوقود النووي، وهذا ما لم تستطع الدولة العبرية القيام به، فيما لا تزال طهران مصرة على بناء المزيد من محطات الطاقة النووية لتلبية الطلب المتزايد على الطاقة في الداخل والتخلي عن الوقود الأحفوري في هذا المجال.

نجاد يكشف عن قاذفة بلا طيار... ويحذّر من ردّ يشمل الكرة الأرضيةتزامن موعد تدشين مفاعل بوشهر الكهروذري أول من أمس في جنوب إيران مع كشف طهران عن نموذج أولي لقاذفة قنابل من دون طيار طويلة المدى، في أحدث إعلان ضمن مجموعة من الإعلانات عن معدات عسكرية جديدة إيرانية الصنع
كشف الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد أول من أمس، الغطاء عن طائرة «كرّار»، التي تقول إيران إنها أولى طائراتها الطويلة المدى من دون طيار، فيما لاقى تدشين بدء ضخ الوقود النووي في محطة بوشهر النووية، تفهماً أميركياً ورفضاً إسرائيلياً.
وعرض التلفزيون الإيراني لقطات على الهواء مباشرة لرئيس منظمة الطاقة الذرية الايرانية، علي أكبر صالحي، ونظيره الروسي سيرغي كيريينكو، وهما يشاهدان إعداد مجموعة من قضبان الوقود لإدخالها في المفاعل القريب من مدينة بوشهر المطلة على الخليج.
وقال صالحي في مؤتمر صحافي «رغم كل الضغوط والعقوبات والصعاب التي فرضتها دول غربية، نشهد الآن بدء تشغيل أكبر رمز لأنشطة إيران النووية السلمية»، معتبراً ان بوشهر «رمز لمقاومة الأمة الايرانية وتصميمها على بلوغ أهدافها».
أمّا كيريينكو، فقال إن «بناء المفاعل النووي في بوشهر، يقدّم مثالاً واضحاً على أن أي دولة يجب أن تحظى بفرصة الاستفادة من الاستخدام السلمي للذرة ما دامت ملتزمة بالتعهدات الدولية القائمة وكان هناك تواصل فعال ومنفتح لها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية».
وكان رئيس مفاعل «بوشهر»، حسين درخشنده، قد أكد في حديث لقناة «العالم»، أن شحن أول قضبان للوقود في قلب المفاعل سيُصنّف هذه المحطة مفاعلاً نووياً هو الأول في الشرق الأوسط.
وكانت وكالة الطاقة قد أعلنت أنها قامت بمعاينة مفاعل بوشهر بانتظام. وقال المتحدث باسمها، ايهان افرينسل، «تتخذ الوكالة إجراءات التحقق المناسبة وفق نظمها الراسخة للضمانات».
ورأى المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، داربي هولاداي، أن واشنطن لا ترى أن مفاعل بوشهر ينطوي على خطر الانتشار النووي، وذلك جزئياً بسبب دور روسيا في توفير الوقود النووي له واستعادته بعد استنفاده. وقال «تؤكد مساندة روسيا لبوشهر، أن إيران لا تحتاج إلى قدرات تخصيب وطنية إذا كانت نواياها سلمية تماماً».
وفي السياق ذاته، رأت فرنسا أن بدء عمل بوشهر يظهر أن إيران لم تكن بحاجة لتخصيب اليورانيوم للحصول على الطاقة النووية المدنية ودعتها الى تعليق «أنشطتها الحساسة».
ورأى وزير الخارجية البريطاني، أليستر بيرت، أن «المشكلة هي استمرار رفض إيران طمأنة الوكالة والمجتمع الدولي إلى أن نشاطها لتخصيب اليورانيوم ومشاريع الماء الثقيل سلمي تماماً».
أمّا المتحدث باسم وزارة الخارجية الاسرائيلية، يوسي ليفي، فقال «ليس مقبولاً على الاطلاق أن ينعم بلد ينتهك بشكل صارخ قرارات مجلس الأمن وقرارات الوكالة الدولية للطاقة الذرية والتزاماتها بموجب معاهدة حظر الانتشار النووي بثمار استخدام الطاقة النووية». وكانت تقارير الأسبوع الماضي تتوقع ضربة اسرائيلية لمفاعل بوشهر قبل بدء ضخ الوقود النووي فيه. إلا أن الرئيس الايراني قال في حديث لوكالة أنباء فارس، إنه «حتى أكثر السياسيين غباءً يعلمون أن العدوان على إيران سيكون انتحارياً».
وفي مناسبة الإعلان عن طائرة إيرانية جديدة قاذفة للصواريخ من دون طيار، أكد نجاد أن على إيران أن تسعى الى امتلاك القدرة على القيام بهجمات وقائية ضد ما تعتبره تهديداً. وأضاف، خلال تفقد مركز الصناعات الدفاعية، «يجب أن نصل الى مرحلة تكون فيها إيران مظلة دفاع عن كل الأمم المحبة للسلام في مواجهة المعتدين في العالم. لا نريد شن هجوم في أي مكان. إيران لن تقرر أبداً شن هجوم في أي مكان، لكن ثورتنا لا يمكن أن تجلس بلا حراك في مواجهة الطغيان. لا يمكن أن نبقى غير عابئين».
وتتميز الطائرة الجديدة، بقدرتها على الوصول الى الاهداف البعيدة مع حملها لكميات من المواد المتفجرة تطلق على تلك الاهداف، حسبما ذكرت وكالة أنباء فارس الايرانية.
وكان نجاد قد أعلن في مقابلة لصحيفة «الشرق» القطرية أن خيارات الرد على أي اعتداء يطال إيران «ليست لها حدود.. وتشمل الكرة الأرضية».
من جهة ثانية، أعلن الرئيس الايراني، خلال اجتماع لأساتذة جامعيين، عن خطط لوضع الأقمار الاصطناعية على ارتفاع 700 كيلومتر ثم 1000 كيلومتر. وقال «ما إن يتحقق هذا الهدف فإن وضع قمر اصطناعي في مدار يبلغ 35 ألف كيلومتر سيكون سهلاً». وأضاف «سيتم ذلك خلال العامين أو الأعوام الثلاثة المقبلة».
الى ذلك، قالت البحرية الأميركية، إن سفينة كانت ضمن مجموعة حاملة الطائرات الأميركية «هاري اس. ترومان»، أنقذت ثمانية صيادين إيرانيين من سفينة مشتعلة في بحر العرب وأعطتهم طعاماً وماءً وملابس جديدة وسلمتهم لسفينة تابعة للبحرية الإيرانية قبل يومين.
في هذه الأثناء، أصدرت محكمة القضاة الايرانية، قراراً بتعليق مهمات ثلاثة من المسؤولين القضائيين، بسبب المخالفات والجرائم التي ارتكبت في سجن كهريزك العام الماضي.
وبحسب رأي الخبراء القضائيين والمحامين، فإن هذا الحكم يعدّ غير مسبوق في تاريخ الأحكام القضائية قبل الثورة الاسلامية وبعدها.
من جهة ثانية، أعلنت وزارة الأمن الإيرانية، في بيان، أن عمل العضو السابق في الوفد الايراني النووي المفاوض، حسين موسويان، تصدق عليه بوضوح تهمة التجسس. علماً بأن المتحدث باسم السلطة القضائية السابق، علي رضا جمشيدي، أعلن قبل عامين أن السلطة القضائية برّأت ساحة موسويان من التهم المنسوبة إليه بشأن التخابر مع أعداء الثورة الاسلامية.
(رويترز، أ ف ب، يو بي آي، مهر)