باريس ــ رغم أن الحديث عن المتاجرة بأعضاء الضحايا الصرب في الحرب يعود إلى عام ١٩٩٨، إلا أن تقرير محقق لجنة حقوق الإنسان التابعة للمجلس الأوروبي بشأن الجريمة المنظمة، ديك مارتي، يعيد تسليط الأضواء على الملف ويدفعه إلى واجهة سياسية، وخصوصاً أنه يشير صراحة إلى أن رئيس الوزراء الكوسوفي هاشم تاجي يتزعم مجموعة ألبانية «هي أقرب إلى مافيا» ومسؤولة عن تهريب أسلحة ومخدرات، إضافة إلى الاتجار بأعضاء بشرية عبر أوروبا الشرقية.ويأتي التقرير، الذي يعتمد على معلومات من مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي ومصادر استخبارية أخرى، ليكمل صورة ملف مليء بالمفاجآت. كما أن توقيت بثه يقود إلى طرح تساؤلات حول مسار المفاوضات لاعتراف صربيا بـ«دولة كوسوفو»، وخصوصاً أن المفاوض الرئيسي تاجي، الذي خرج منتصراً من الانتخابات الأخيرة، هو على رأس قائمة الاتهام.
ويحدد مارتي هوية تاجي كرئيس شبكة بدأت أعمالها الإجرامية بحلول عام ١٩٩٨ في كوسوفو، وفرضت هيمنتها على الحكومة منذ ذلك الحين، وذلك عبر «وسائط العنف» التي سمحت لتاجي بالإمساك بتجارة المخدرات القوية (هيرويين). كما يتهم التقرير حلقات مقربة من تاجي باعتقال عدد من الصرب بعد الحرب وقتلهم بغية «نزع كلاهم وبيعها في السوق السوداء». وتشير بعض التقارير الواردة في التحقيق إلى تورط عدد من الإسرائيليين المطلوبين للعدالة الدولية في الاتجار بالأعضاء البشرية عبر كوسوفو.
ويشير مارتي إلى أنه حدد «ستة مواقع اعتقالات وتعذيب ونزع أعضاء»، إلا أنه «لم يستطع زيارة إلا موقعين». وشدّد على أنه اعتمد على «تقارير موثوق بها وبمن وضعها»، غير أنه أشار إلى أن عدداً «من الشهود جرت تصفيتهم». ويأتي التقرير على ذكر عيادة تسمى «ميديكوس» قد تكون على صلة بعمليات جمع الأعضاء التي قام بها جيش التحرير الكوسوفي بين عامي ١٩٩٨ و2000، علماً بأن عاملين في هذه العيادة انتزعوا من ضحايا فقراء أعضاء لبيعها، وهو ما كشفته الشرطة بالصدفة في مقاطعة بريشتينا عام ٢٠٠٨.
ويشير المدعي العام للاتحاد الأوروبي، جوناثان راتيل، إلى أن هذه الشبكات استدرجت أشخاصاً فقراء من روسيا وكازاخستان وتركيا «مع وعود كاذبة بإعطائهم المال»، مقابل الكلى في تلك العيادة، مضيفاً إن الأعضاء استخرجت بطريقة غير قانونية من الضحايا وزرعت لأشخاص أثرياء في عيادة «ميديكوس». وتابع إن مرضى من كندا وألمانيا وبولندا وإسرائيل دفعوا مبالغ تصل إلى٩٠ ألف يورو مقابل الكلية في السوق السوداء.
ولدى محكمة بريشتينا عدد من المتهمين فقط بجرم «الاحتيال»، وبينهم أطباء مشهورون في كوسوفو. كذلك هناك مذكرات توقيف عبر الأنتربول بحق موشيه هاريل، وهو إسرائيلي قيل إنه ربط بين المانحين والمتلقّين، ويوسف سونميز، وهو أحد أشهر مهربي الأعضاء البشرية في العالم.
ويربط البعض هذه الاتهامات بـ«شبكة نيويورك» لتجارة الأعضاء التي كشف عنها في نيسان من هذه السنة في إحدى ضواحي المدينة الأميركية، وأوقف ٥ حاخامات ونحو أربعين شخصية كانت تعمل على تهريبها إلى إسرائيل وسويسرا.
ويشير تقرير المجلس الأوروبي إلى هذه العيادة ومجموعة المتهمين بشبكة أوسع للجريمة المنظّمة في ألبانيا وبمسؤولين في الحكومة الكوسوفية، ومن ضمنهم رئيس الوزراء تاجي. إذ يذكر التقرير أن الجيش الكوسوفي كان يحتجز الصرب وغيرهم في مراكز اعتقال سرية في ألبانيا لنحو عام بعد انتهاء الحرب. ويقول إن عدداً من السجناء نقلوا إلى عيادة موقتة شمال العاصمة تيرانا، حيث قتلوا بإطلاق النار في رؤوسهم قبل انتزاع الكلى منهم.
بالطبع تقرير مارتي ليس قراراً ظنياً، لكنه مؤشر على سبل تعامل القوى الكبرى في القضايا الجنائية عندما تتشابك مع المسائل السياسية. ومن هنا قفز اسم وزير الخارجيّة الفرنسي السابق، برنار كوشنير، الذي كان حاكم الإقليم المنتدب من قبل الأمم المتحدة. إذ يشدد التقرير على أن «المنظمات الدولية في كوسوفو أعطت الأفضلية لمقاربة سياسية براغماتية لإعادة الاستقرار وذلك على حساب مبادئ العدالة».
يشار إلى أنه في السابع من شهر آذار الماضي وجّه عدد من الصحافيين سؤالاً إلى كوشنير عن التهم التي تدور حول «صديقه هاشم تاجي». وجاء حينها رد الوزير بشكل قهقهة عالية أثارت اشمئزاز أكثر من إعلامي، وتناقلت المدونات نبرتها بالصوت والصورة.
بالطبع، السؤال كان قبل صدور تقرير لجنة حقوق الإنسان الأوروبية، لكن بعد صدور كتاب المدعية العامة للمحكمة الدولية كارلا ديل بونتي، الذي تضمن اتهامات مماثلة، عمد كوشنير إلى تسخيف الاتهامات ووصفها بأنها «حماقات» وأن من يسوقها هم «مجانين يصدقون كل ما يسمعونه». وقال إن كل «من يصدق مسألة بيع الأعضاء البشرية هم حثالة ومجانين».
وعندما سئل الناطق الرسمي لوزارة الخارجية برنار فاليرو، غداة المؤتمر الصحافي لديك مارتي عن سبب تكتم الوزير السابق على هذه الاتهامات عندما صدر كتاب ديل بونتي، أجاب «إننا أمام اتهامات خطيرة، ونحن في سياق علاقات دولية، حيث القانون هو الأساس»، بعدما أشار إلى أن «الكثير مما ورد في التقرير بحاجة إلى إثبات».