الرباط | لم يشهد العام الماضي الكثير من انتهاكات حرية الصحافة في المغرب. لا لأنّ السلطات صارت أكثر شفافية في التعامل مع السلطة الرابعة، بل لأنّ مسلسل تحييد الإعلام دفع إلى إغلاق الجرائد المشاكسة منذ أكثر من سنتين. الآن، صار الإعلاميون «soft» في تعاملهم مع السلطة. بعد سنة من صعودها إلى الحكم، لم تكن حكومة عبد الإله بنكيران الإسلامية صداميةً كثيراً مع وسائل الإعلام.
لكنّ رئيس الحكومة المغربية ووزراءه لم يبتلعوا لسانهم في انتقاد تغطية الإعلام لبعض الأحداث السياسية والاجتماعية والاقتصادية. أبرز التجاوزات في حق الصحافة كان ما جرى لمراسل «وكالة الأنباء الفرنسية» عمر بروكسي الذي تعرض لاعتداء من رجال الأمن عندما كان يغطي وقفة أمام البرلمان المغربي تطالب بإلغاء البروتوكول الملكي. هذه الحادثة كادت تخلق أزمة دبلوماسية بين المغرب وفرنسا، ما دفع حكومة بنكيران إلى الاعتذار للوكالة. لكن بعد فترة وجيزة، سُحب الاعتماد الصحافي من عمر بروكسي.
كما ذكرنا سابقاً، لم تشهد السنة الكثير من الحوادث، باستثناء تحقيق «الإدارة العامة للأمن الوطني» (جهاز الشرطة) مع صحافيين من مجلة «تيل كيل»، وعمر الراضي من موقع «لكم» بخصوص مقالات طاولت جهاز الشرطة. المصوّرون والمراسلون الصحافيون في المدن الصغرى تعرّضوا لاعتداءات، لكنّ أحداً لم يلتفت لهم بسبب غياب نقابة الصحافيين المغاربة التي تكتفي بنشر البيانات. المغرب الذي تحسن موقعه قليلاً في تصنيفات حرية الصحافة، تستعد صحافته المكتوبة لقانون جديد ينظّم المهنة، إلى جانب «المجلس الأعلى للصحافة» الذي سيكون الهيئة المسؤولة عن الإعلام المكتوب. وتقول السلطات إن القانون سيقلّص العقوبات السالبة للحرية. لكن تسريبات لمسودته نشرت في مجلة «هسبريس» لا تبشّر بالخير؛ إذ لا تزال النزعة «القمعية» حاضرة في القانون الذي قالت المجلة إنه سيقضي على الصحافة المكتوبة.
في المقابل، شهد المغرب انفتاحاً في الصحافة الإلكترونية. عشرات المواقع تأسست في غضون سنة، ما فتح الباب أمام تعددية إعلامية وحرية التعبير. لكنّها حرية انزلقت إلى متاهات اللامهنية والشتم والقذف. علماً أنّ هذه المواقع تتعدى الـ 400، ما دفع وزارة الاتصال إلى محاولة تنظيم المجال. هكذا، كثر الحديث عن تنظيم قانوني للنشر الصحافي الإلكتروني، إضافة إلى إعداد الوزارة «كتاباً أبيض» للصحافة يتحدّث عن تطوير النموذج الاقتصادي والقانوني وما يخص الملكية الفكرية. وزير الإعلام المغربي مصطفى الخلفي اعترف خلال تقديم «الكتاب الأبيض» أنّ الصحافة الإلكترونية أسهمت في تحسين صورة المغرب في تصنيفات التقارير الدولية لحرية النشر والتعبير على الإنترنت.
هكذا، أنقذت الصحافة الإلكترونية وجه المملكة، لكن هذا لا يعني أنّه ليس هناك تقلص في هامش الحريات، ولا سيما أنّ أغلب الصحافيين المشاكسين تخلوا عن مهنة المتاعب أو رحلوا إلى تجارب ودول أخرى.