عندما تظاهر أهالي شكا ضد معمل الترابة واعتقل منهم كثيرون، أصدر القاضي المنفرد الجزائي في البترون القاضي منير سليمان حكماً بتاريخ 3/3/2013 نص صراحة على الآتي: «يقتضي التنويه بالمواطنين الذين يطالبون الجهات الرسمية بالقيام بدورها وبتفعيل إجراءاتها وإعمال صلاحياتها حفاظاً على السلامة العامة والبيئة». يستشهد المحامي نزار صاغية بهذه السابقة ليقول إن «الدولة تعاطت بصورة مخالفة لهذا الحكم مع حراك إقفال مطمر الناعمة، وهو حالة مشابهة، فبدلاً من أن يكافأ الذين يدافعون عن المصلحة العامة وحقوق الناس يُقمعون».
برأيه، التظاهر محق ضد مطمر يؤدي إلى خطر على حياة المواطنين؛ «الناس هم في موقع الدفاع عن النفس والنيابة العامة مسؤولة عن بدء التحقيقات في ما إذا كان المطمر مضراً أو لا، والحل لا يكون بالتوجه لإسكات من يقولون إنّهم يعانون ويطالبون برفع الضرر عنهم». الخطير بالنسبة إلى الوزير السابق والمحامي زياد بارود أنّ «تصرف القوى الأمنية لم ينسجم مع سلميّة التحرك. لم يحمل المعتصمون سلاحاً حتى يتم التعاطي معهم بهذا العنف الكلامي والجسدي. كان على أجهزة الدولة أن تستوعب حراكاً اجتماعياً يحمل قضية عامة بأسلوب آخر. قد يكون ما حصل ناجماً عن سلوك عناصر غير منضبطة ولم يحصل بأمر من القيادة، لكن السلطة السياسية يجب ألا تقبل بتجاوزات من هذا النوع».
في الواقع، لا تشذ مواجهة حراك مطمر الناعمة عن السلوك العام للسلطة السياسية تجاه قضايا الناس تحت عنوان إخلال المسؤولين بالالتزامات والوعود التي يقطعونها للمواطنين. هذا ما يقوله رئيس رابطة أساتذة التعليم الثانوي الرسمي حنا غريب. بكلام آخر، يؤكد غريب أنّ كل الملفات الاجتماعية تصل دائماً إلى حائط مسدود، «لكون سياسات الحكومات تصطاد الناس بالمفرق، وتخيّرهم، تحت ضغط التطرف والفرز الطائفي، بين القمع والاستبداد من جهة وبين الإرهاب من جهة ثانية».
برأيه، لا بديل من تداعي المجتمع المدني والأهلي والأحزاب والنقابات، في أسرع وقت ممكن، إلى لقاء وطني مفتوح يجمع الناس حول عناوين الوحدة الوطنية والسلم الأهلي والتنمية الاجتماعية الشاملة. التحدي المطلوب، كما يقول، هو استنهاض حالة الوعي الاجتماعي وتنفيذ خطوة إجرائية عملية يشارك فيها الجميع، فالوضع لم يعد يحتمل المواجهة بالمفرق. هل هذا المجتمع جاهز فعلاً لهذه الخطوة المتقدمة والمواجهة بالجملة؟ نتائج الحراكات الأخيرة في مقاربة عناوين مطلبية وحقوقية واجتماعية وبيئية، على الأقل، لم تكن بالمستوى المطلوب، بل يبدو أنّ النقابات العمالية ونقابات المهن الحرة هي في مكان آخر؛ فنقيب المهندسين إيلي بصيبص مثلاً يرفض الإدلاء بموقف واحد بشأن مطمر الناعمة بحجة أنّه لم يطّلع على حيثيات الملف. يستمهلنا إلى الاثنين المقبل ليدلي بتعليق من موقعه النقابي والوطني على حادثة قمع للحريات وعلى ملف يدخل في اختصاص نقابته، يكتفي بالقول إنّه شائك.
نقيب المحامين جورج جريج ينسحب أيضاً بهدوء من الإجابة، فيحيلنا هو الآخر على المحامي معروف مزهر، ابن بلدة الناعمة، الذي كلفته النقابة بمتابعة القضية. يقول مزهر إنّ «الناس تحركوا بصورة عفوية وغير منظّمة كما أشيع ضد مطمر دمر حياتهم، وبالتالي فإنّ حقهم في الدفاع عن الحد الأدنى من مكونات هذه الحياة مصون بالقوانين، ولا يمكن الدولة أن تتعاطى معهم بهذا الابتزاز والخفة والإهمال والتجاهل لهذا الحق وبهذه الطريقة الدنيئة، سواء عن قصد أو غير قصد، مع وسائلهم في التعبير عن الرأي. فالقمع لا يحوّل المشكلة إلى حل».
ومع أن رئيس بلدية الغبيري محمد سعيد الخنسا يقرّ بهذا الحق لكل مواطن بأن يعبّر عن رأيه وتخوفه من المخاطر التي يسبّبها المطمر على صحته وسلامته العامة، يعرب عن اقتناعه بأنّ «الملف لا يمكن أن يعالج إلا بالحكمة والهدوء والتأنّي وعلى المستوى السياسي العام وعلى طاولة مجلس الوزراء. وفي الانتظار، على الناس الذين اجتازوا البحر ألا يغصّوا بالساقية ويقبلوا بالاتفاق الأخير ويعملوا على انتزاع ضمانة الحلول، لسبب وطني أننا لا نستطيع أن نُغرق البلد كله في النفايات». ولكن أليس البلد غارقاً في النفايات أصلاً؟