عكست وسائل الإعلام الإسرائيلية، حالة الصدمة والذهول التي أصابت الساحة الداخلية الإسرائيلية، ولم تستطع تجاهل حجم الضربة التي تلقاها الكيان الإسرائيلي من خلال إسقاط طائرة «إف 16 – سوفا» التي تشكّل العمود الفقري لسلاح جو العدو. ومع أنهم لم يتحدثوا بالتفاصيل عن المفاعيل العسكرية والاستراتيجية التي انطوى عليها هذا الحدث، إلا أنه حضر من خلال الحديث عن المخاطر التي ينطوي عليها، ومحدودية الخيارات أمام تل أبيب، والدعوة إلى رفع مستوى الرد في المرة المقبلة.
وبالإجمال، يمكن القول إن التقدير الذي ساد الوسطين السياسي والاعلامي، أن ما بعد التصدي السوري الذي أدى الى خسائر عسكرية وسياسية ومعنوية مؤلمة لن يكون كما قبلها. وسيتحول هذا الحدث وما انطوى عليه من رسائل ومؤشرات، إلى معطى ثابت على طاولة القرار السياسي والأمني لدى دراسة أي خيارات عدوانية لاحقة. ومن أهم ما اكتشفته إسرائيل في ضوء الضربة التي تلقتها، المنسوب المضخم من الثقة المفرطة بأن القيادة السورية لن تجرؤ على مواجهتها والتصدي لاعتداءاتها.
في المقابل، حاول العديد من المعلقين، أيضاً، في إطار المعركة على الصورة والوعي، الترويج لإنجاز إسرائيلي عبر إسقاط طائرة استطلاع متطورة جداً لإيران، بحسب العديد من التقارير الإعلامية، وعبر استهداف عدد من مواقع منظومات الدفاع الجوي السورية. لكن هذه المحاولة، لا يبدو أنها استطاعت أن تعدل من صورة المشهد العام حتى في الداخل الإسرائيلي، وهو ما أقرت به صحيفة «هآرتس» بالقول إنّه «في المعركة على الوعي، إسرائيل في مرتبة متدنية». وفي ما يتعلق باليوم التالي على جولة الاشتباك الإسرائيلي ــ السوري، انشغل خبراء ومعلقون أيضاً، بمروحة المسارات والاحتمالات التي تتصل بمستقبل المعادلة التي تحكم حركة الصراع على الأرض السورية.

ردة الفعل الروسية تدل على الدعم
الذي تمنحه
لطهران ودمشق


واعتبر معلق الشؤون العسكرية في القناة العاشرة العبرية، أنّ الحرب السرية الدائرة منذ سنوات مع إيران «أصبحت علنية ومباشرة»، محذراً من أن ما حصل قد «يدغدغ حزب الله لفكرة نصب كمين ضد طائرات سلاح الجو الإسرائيلية في الأجواء اللبنانية». ولفت إلى أنّه للمرة الأولى منذ 36 عاماً نجحت بطارية صواريخ سورية، في اعتراض طائرات سلاح الجو، وهو ما يشكل «سابقة تثير حماسة الخيال الحي الشرق أوسطي».
بدوره، أقر رئيس معهد أبحاث الأمن القومي، اللواء عاموس يادلين، بأن المواجهة العسكرية التي حدثت، هي نتيجة تصميمين متضادين. الأول تصميم محور المقاومة على بناء وتطوير قدراته الدفاعية والردعية والهجومية، في مقابل تصميم إسرائيلي على مواجهة هذا المسار التعاظمي. وبحسب التعبير الذي استخدمه يادلين «لقد اصطدم التصميم الاستراتيجي الإيراني على بناء قوة عسكرية متقدمة في سوريا ولبنان، بعزم إسرائيل على وقف الاتجاه الإيراني». ونتيجة هذه الرؤية اعتبر أن ما جرى «لم يكن مفاجأة استراتيجية، لكن التوقيت التكتيكي حدده الإيرانيون هذه المرة». وربط يادلين ما جرى بالثقة التي راكمها أطراف محور المقاومة، نتيجة الانتصارات التي حققوها على الساحة السورية. وحاول أن يقدم صورة مغايرة لنتائج المعركة على أمل التأثير إيجاباً في الصورة التي تشكلت على مستوى الرأي العام الإسرائيلي. مع ذلك، دعا يادلين الذي سبق أن تولى رئاسة الاستخبارات العسكرية، «أمان»، إلى أنه «على المدى المتوسط، يجب على إسرائيل أن تستعد لردود فعل إيرانية وسورية من النوع الذي لم ينفذ حتى الآن، ولا سيما: هجوم بالصواريخ البعيدة المدى». وإدراكاً منه لخطورة المسارات المستقبلية، اعتبر أنه في المرة المقبلة، ينبغي أن يهدد الرد الإسرائيلي «نظام الرئيس (بشار) الأسد، بشكل مباشر، ونظام الدفاع الجوي بأكمله، والقوات الجوية، وخاصة القوات الموالية للنظام». ومع أنه تجاهل رد محور المقاومة التناسبي مع هذا المستوى من العدوان، دعا يادلين أيضاً إلى أنه «على إسرائيل أن تعمل على إنشاء تحالف مضاد للمحور الشيعي، جنباً إلى جنب مع جميع الدول... الولايات المتحدة وتركيا والمملكة العربية السعودية». وحذر من أنه «على المدى الطويل، يجب أن نتذكر أنه تم احتواء الحادث هذه المرة، ولكن الصدام بين الأسهم الاستراتيجية ينتظرنا عندما يتحقق في المستقبل، تهديد أكبر».
في المقابل، اعتبر مستشار الأمن القومي الإسرائيلي السابق، اللواء يعقوب عميدرور، أنه «لا يزال من السابق لأوانه تقويم العواقب البعيدة المدى للصراع». ولفت إلى أن «التكنولوجيا الإيرانية في مجال الطائرات من دون طيار، تقدمت بشكل كبير، وأن سلاح الجو سيستخلص العبر كي يكون أكثر استعداداً للأحداث القائمة»، مؤكداً أن «هناك تصميماً سورياً على مواجهة الطائرات الإسرائيلية التي تعمل في الساحة السورية».
واعتبر المعلق العسكري في صحيفة «يديعوت أحرونوت»، أليكس فيشمان، أن «الحادثة لم تؤد إلى تدهور وحرب شاملة، طالما أن حزب الله لم ينضم إلى المواجهة في لبنان». في المقابل، لم يستبعد المعلق العسكري في صحيفة «هآرتس» عاموس هرئيل أن يكون الاشتباك الذي أدى الى سقوط الطائرة الإسرائيلية «كميناً إيرانياً»، مشيراً إلى أن «ردة الفعل الروسية تدل على الدعم الذي يمنحه الكرملين لطهران ودمشق». وحذّر من أنه حتى لو انتهت قريباً الجولة الحالية بتهدئة، إلا أنه «على المدى الأبعد يتشكّل هنا واقع استراتيجي مغاير». ولفت المعلق العسكري الى أن «ما يقلق بوجه خاص، أنه في هذه الأثناء لا تبدو في الأفق شخصية (راشد مسؤول) في المجتمع الدولي يتدخل لكبح الأطراف». وأضاف أن «روسيا، التي تستقبل نتنياهو بلباقة كل عدة أشهر، تبدو منسّقة جداً مع إيران وسوريا أيضاً في خطواتهما ضد إسرائيل، فيما الإدارة الأميركية، في ظل الرئيس دونالد ترامب، قد ترى في التصعيد في الشمال فرصة لجبي ثمن من إيران – وتحديداً حث إسرائيل على مواصلة هجماتها». وختم بالقول إننا «قد نكون على أبواب أزمة عميقة، حتى لو لم تُترجم بالضرورة إلى مواجهة عسكرية مباشرة في المدة القريبة».
وإقراراً منه، بحكمة التوقيت لمحور المقاومة، اعتبر معلق الشؤون السياسية في صحيفة «يديعوت أحرونوت»، ناحوم برنياع، أنه «ليس صدفة أن الإيرانيين هم من اخترعوا الشطرنج». ورأى أنه بعدما كانت «اللعبة» التي يديرها الإيرانيون دفاعية في مواجهة إسرائيل، انتقلوا الآن إلى الخيار الهجومي.