على أبواب الجامعة الأميركية في بيروت يحيّيه أصدقاؤه: أهلا بعالم لبنان. يرد عليهم بضحكة قائلاً: واحد مثلكم عالم، ويمضي في طريق ألفها لليال طوال.هو فؤاد مقصود، شاب لبناني يبلغ من العمر خمسة وعشرين عاماً. اختار الطريق الأصعب، كما يقول. بدأ اسمه بالظهور إعلامياً قبل أسابيع إثر اشتراكه في برنامج «نجوم العلوم».

إغراء «النانو تكنولوجي»

من بلدة علمان الجنوبية في قضاء الشوف، بدأت مسيرة الشاب فؤاد مقصود. مسيرة لم تكن واضحة المعالم كما يروي. فبعد تخرجه من ثانوية مغدوشة الرسمية، اختار كلية العلوم في الجامعة اللبنانية، وكانت خطته دراسة الطب، إلا أن الخطط تغيرت، مع إعادة توجيه بوصلته ومتابعة دراسته في كلية العلوم. في مرحلة الدراسات العليا، أهّلته علاماته للحصول على منحة لدراسة الهندسة البتركيماوية في جامعة الروح ــــ القدس الكسليك.
لم يكتف مقصود من العلم الذي فتح له أبواباً جديدة مدعومة مرة أخرى بمنحة دراسية، وهذه المرة في الجامعة الأميركية، حيث أغرته الأبحاث في «النانو تكنولوجي»، وهي تقنية الجزئيات المتناهية الصغر، التي أدخلها ثلاثة أساتذة من الجامعة الأميركية إلى لبنان والعالم العربي. الأبواب الفكريّة المشرّعة أمام الطلاب في الجامعة ساعدت مقصود وجعلت عمله، ضمن فريق، مثمراً.

نقل التكنولوجيا إلى منتج

من طاولة المختبر، بدأت الفكرة تتجلى لدى الشاب، إذ أدرك أن أمام هذه التكنولوجيا فرصة لأن تخرج وتصبح منتجاً بين أيدي الناس لتفيدهم. أنشأ مختبراً صغيراً خاصاً به، وعمل على فكرته ليالي طويلة حتى نجح في إخراج تقنية «النانو» إلى القطاع الصناعي لخدمة المجتمع.
اخترع مقصود آلة بإمكانها تغطية القطع القماشية أو الثياب بغشاء مؤلف من ألياف النانو فتصبح عازلة للمياه من الخارج، أما من الداخل فهي مزوّدة بدواء خاص لمعالجة الحروق البالغة، من الدرجة الثالثة خصوصاً، وتقرحات مرضى السكري والتشنجات العضلية.

أمام مقصود تحديات عمليّة في التسويق وجذب المستثمرين

طموح مقصود لم يخفت مع نجاحه في صناعة نموذجه الأولي للآلة، فتقدم إلى جانب 8000 شخص إلى برنامج «نجوم العلوم» بموسمه التاسع، الذي يعتبر أنه فرصة فريدة ونموذجية للمخترعين العرب. نجح مقصود إلى جانب 134 مخترعاً في التصفيات الأولية، وتأهل مع 33 شخصاً إلى المجلس العلمي في البرنامج، ليتنافس إلى جانب 9 مشتركين آخرين في الوصول إلى نهائيات البرنامج بعد حصوله على أعلى علامة في تاريخ البرنامج، إلى أن فاز باللقب.

لا خيار لنا سوى العلم

يؤكد مقصود أن أهمية البرنامج ليست فقط إعطاء فرصة للمخترعين العرب بالظهور الإعلامي لأن «الشهرة ليست هدفاً للعالم ولا تدخل ضمن أولوياته، وإن كان التقدير من المجتمع يعطيه دافعاً كبيراً، إلا أن العلماء لا يعتمدون عليه لأن هدفهم الرئيسي هو تقديم ما يخدم علمهم ومجتمعهم».
يقول إنّ البرنامج فتح له أبواباً لتعزيز اختراعه، إذ تمكن خلال ثلاثة أشهر من صناعة آلة أكبر بعشرات الأضعاف من النموذج الأوّلي الذي عمل عليه، وذلك من خلال الدعم الذي قدمه البرنامج على الأصعدة كافة.
طريق طويل لا زال أمام العالِم الشاب. فرغم حصوله على براءة اختراع أولية من الولايات المتحدة، إلا أن الأغراض الطبية لمنتجه تحتم عليه الحصول على مصادقات عالميّة أخرى يعمل عليها حالياً. وعلى غرار التحديات العلميّة، لا تزال أمامه تحديات عمليّة في التسويق لمنتجه وجذب المستثمرين.
يؤكد مقصود أن برنامج نجوم العلوم ساهم في ظهور اسمه إعلامياً وتعزيز اختراعه، إلا أن هناك العشرات من أمثاله من الشباب العلماء يقدّمون ما هو أهم من دون أن تعرف أسماؤهم.

بين الاستسلام والأحلام

يشجع مقصود أترابه من الشباب للمضي وراء أحلامهم أيّاً كانت. فرغم أن الطريق قد يكون أصعب كونهم ينتمون إلى هذه البلاد، إلاّ أن لذته أكبر، بحسب مقصود الذي استذكر الدموع التي ملأت عينيه حين أعلن أنه حصل على العلامة الأعلى في تاريخ برنامج «نجوم العلوم».
«ما بين الاستسلام والمضي وراء الأحلام شعرة»، يقول فؤاد، «فلولا دعم الأهل تارة والإصرار والتضحية تارة أخرى لما بقيت كل تلك الأيام أحاول ولنجحت العقبات والفشل المتكرر في ثنيي عن المضي في العمل».
الكثير من الإيجابية تلمع في عيني مقصود الذي يعتبر أن لا خيار لدى الإنسان بشكل عام واللبناني خصوصاً سواها لأن «العالم في سباق، لا يمكننا أن نقف ونرفع الراية ولا سبيل لذلك أمامنا سوى استغلال ما نملك، ولدى لبنان خزان من العلماء والقدرات الفكرية».




نجوم العلوم


هو برنامج تلفزيون الواقع التعليمي والترفيهي أطلق بمبادرة من مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع. ويهدف البرنامج إلى دعم وتشجيع رواد الأعمال الطموحين في مجال العلوم والتكنولوجيا في المنطقة. يشارك في البرنامج علماء من مختلف البلدان العربية، وكان اللبناني بسام جلغا قد فاز في الموسم الأول من البرنامج في عام 2009.
إلى جانب فؤاد مقصود شارك في الموسم التاسع من البرنامج الشاب اللبناني وسيم الحريري الذي يبلغ من العمر 24 عاماً ويعمل على مشروع روبوت لتسليم الطعام لمرضى المستشفيات.

* للمشاركة في صفحة «تعليم» التواصل عبر البريد الإلكتروني: [email protected]