«اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمّدوهم بالرّوح القدس»، كانت هذه آخر وصايا يسوع قبل صعوده إلى السّماء. لم تأت هذه الوصيّة وليدة الصدفة بل شكلت دعوة لتأسيس مدارس تبدأ بإفهام «المؤمنين» للكتاب المقدس وتتوسع بعدها كي ينال كل «مؤمن» العلم والثقافة على يد كهنة، رهبان وراهبات، ومن ثم نشر الرّسالة المسيحيّة عبر إرساليات يكون دورها الأول نشر مزايا وصفات يسوع بين المواطنين أينما حلت.
تنوّع شكل الإرساليّات، فكانت المدارس التي تسعى إلى تعليم الإنسان المواد الحياتيّة التي ترقى به إلى أعلى المستويات بأجواء روحيّة يطغى عليها طابع الحب والعطاء المجاني.
إلاّ أن ما نشاهده اليوم ليس نكراناً لجوهر الإرساليّات أو غباءً في فهمها بقدر ما هو ابتعاد عن جوهر الإيمان المسيحي ورسالته، والسبب الفكر التجاري الذي يتحدى حتّى قوانين الدولة اللبنانية التي سمحت بانتشار المدارس الخاصة من أجل تعويض النقص في عدد المدارس الرسمية شرط أن لا تبغي الرّبح، فأُعفيت المدارس الخاصّة على هذا الأساس من الضرائب.
لكن كل متابع لسير المدارس الكاثوليكية يرى نفحة "عبادة للمال" قد دخلت إليها عبر المؤتمنين عليها بحيث أصبحت "مؤسسات تجارية" بحت رغم اسمها الذي تحمله "مؤسسات غير ربحية". رغم الواقع الاقتصادي الصعب ورغم "الزودات" التي طرأت على الأقساط منذ 5 سنوات بحجة سلسلة الرتب والرواتب وقبل أن يأخذ الأساتذة قرشاً واحداً تضاعفت الأقساط لتصبح حملاً قاسياً وقصاصاً عنيفاً يناله الأهل في المدارس الكاثوليكية.
انبثقت حملتنا "حملة منع زيادة الأقساط في المدارس الكاثوليكية" على موقع "فايسبوك" لتكون الصوت الصارخ والصوت الرافض لأي "زودة".
يزيد مديرو المدارس الكاثوليكية احمال الناس وأوجاعهم متجاهلين كل صوت ينادي بخفض الأرباح والعودة إلى جوهر تعاليم يسوع وهو "مجاناً أخذتم، مجانا أعطوا".
لدينا معلومات عن أرباح خيالية تجنيها معظم المدارس التابعة للكنيسة، ومع ذلك تتذرع بعدم قدرتها على زيادة رواتب الأساتذة وتضع الأهل في وجه المعلمين.
نناشد رؤساء كنائسنا الكاثوليكية لكي يلعبوا دورهم الراعي والعادل لخير رسالة التعليم من جهة وللإحساس بما يعانيه المواطن المسيحي في هذا البلد من جهة أخرى، ونحن بدورنا نعلن أننا لن نقف ساكتين أمام هذا الاستكبار الفاضح، وسوف نسعى بما أوتي لنا من قدرة لتفعيل دور لجان الأهل في المدارس لكي تقف صدّاً منيعاً في وجه روح الاستئثار في القرارات الإدارية في المدارس الخاصّة من دون خوف أو مواربة لا أن تكون لجاناً شكليّة تسعى فقط لمصالحها الخاصّة.
إنّ حملتنا باتت جزءاً من هيئة تنسيق لجان الأهل في المدارس الخاصة لكي تكون بمثابة الرقيب على كل مدرسة ولكي تعرّف الأهل بدور دور لجان الأهل، وتسعى إلى دعمهم في كل موقف يتخذونه، وتقف إلى جانبهم في مواجهة أي تهديد قد يتعرضون له من مثل فصل أبنائهم من المدرسة لدى اعتراضهم على الأقساط.
نرفع صوتنا إلى غبطة البطريرك الكاردينال بشارة الراعي لكي يكون المانع الأول لأي زودة، كما نرفع صوتنا إلى قداسة البابا فرنسيس لكي يكون الحاكم النهائي على المدارس التي تحمل اسم الكنيسة وكيف لا يكون الحكم والموجه، وكل عظاته تأتي ضمن موضوع عودة مؤسسات الكنيسة إلى مؤسسات ملؤها الرحمة والعدالة وحاضنة للفقراء والمعوزين ومبلسمة لجروحات المساكين.

*ناشط في حملة منع زيادة الأقساط في المدارس الكاثوليكية