مع هيمنة الدول المتقدمة والشركات العابرة للحدود على التجارة الدولية، أصبح العالم يضيق أكثر فأكثر على صغار المنتجين والمزارعين في الدول النامية. وإذا كانت النتيجة المرجوة من تحرير التجارة حول العالم "إقامة عالم اقتصادي يسوده الرخاء والسلام" بحسب منظمة التجارة العالمية، فإن هذا التحرير من دون شك حرر البعض، فيما أبقى على البعض الآخر رهينة للجوع والفقر والحرمان.

فعلى الرغم من نجاح اتفاقية "الجات" ومن ثم منظمة التجارة العالمية في تحقيق نمو استثنائي وغير مسبوق في حجم التجارة الدولية إلا أنها فشلت فشلاً ذريعاً في تحقيق العيش الكريم والتنمية المستدامة في الدول النامية، ما أدى الى اتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء وازدياد الفقراء فقراً.
فهل التجارة العادلة هي البديل أو أحد الحلول لأنسنة التجارة؟


مفهوم التجارة العادلة

التجارة العادلة أتت كرد فعل على النمط التجاري السائد حالياً والقائم على هيمنة القوي على الضعيف. تهدف هذه التجارة الى إيجاد ظروف تجارية أكثر عدلاً للمزارعين والمنتجين في الدول النامية، من خلال تسويق منتجاتهم في أسواق الدول الكبرى وخفض عدد الوسطاء بين المنتج والمستهلك، على أن يدفع المستهلك حوالى 5 الى 10% زائدة عن قيمة المنتوج تضامناً مع المنتجين ولدعمهم وتحفيزهم على البقاء في أرضهم.
ففي ظل الواقع السائد حالياً، ومع الصعوبات الجمة التي تعترض المنتجين والمزارعين في دول الجنوب من حيث تسويق إنتاجهم، والحصول على رأس المال الكافي، إضافة الى عدم قدرتهم على المطالبة بحقوقهم بفعالية نظراً للتهميش السياسي والإعلامي الذي يعانون منه، تسعى التجارة العادلة الى مساعدتهم في تحسين اوضاعهم المعيشية والاتكال على أنفسهم.


في لبنان

تأسست "جمعية التجارة العادلة" في لبنان عام 2006، وتهدف بحسب رئيسها سمير عبد الملك الى تأمين فرص عمل في الريف اللبناني بما يؤدي الى وقف الهجرة الريفية ودفع الناس الى التمسك بأرضهم من خلال مساعدتهم في تأمين العيش الكريم وذلك بشراء إنتاجهم.
وتبيّن للجمعية عندما باشرت عملها حجم الإمكانات الهائلة التي تختزنها المناطق الريفية والنائية في لبنان من حيث الموارد الطبيعية والطاقات البشرية، وأن المشكلة الأساسية التي يعاني منها سكان هذه المناطق هو افتقارهم الى الوسائل المادية التي تسمح لهم بتسويق إنتاجهم واستخدام وسائل الإعلام بشكل فعّال ليعرّفوا عن أنفسهم. وأتت الجمعية لتسد هذا الفراغ.
والجمعية لا تفرض على المنتجين أن يتخصصوا أو أن يزرعوا ما تريد، بل تعمل على مساعدتهم لتطوير إنتاجهم. ولكن على الإنتاج أن يكون مطابقاً لمعايير معينة تفرضها الدول التي سيجرى تصدير الإنتاج إليها.
بدأت "جمعية التجارة العادلة" في لبنان عملها مع عدد محدود من التعاونيات التي كانت موجودة في الأساس ولكنها كانت في حالة شلل، أما اليوم فوصل عدد التعاونيات التي تتعامل مع الجمعية الى 17 تعاونية. كل تعاونية تضم حوالى 70 مزارعاً ما خلا بعض الاستثناءات، حيث تضم بعض التعاونيات ما بين 300 الى 400 مزارع.
توقع الجمعية شرعة مع المنتجين، وفي هذه الشرعة يلتزم المنتجون تأمين المنتجات وفق الشروط المطلوبة، فيما تلتزم الجمعية شراء هذه المنتجات وفق الأسعار العادلة.
وللإضاءة على التطور الكبير الذي شهده هذا القطاع ومدى استفادة التعاونيات من مفهوم التجارة العادلة، أكد عبد الملك أن الجمعية كان حجم مبيعها في انطلاقتها ما قيمته 40000 دولار كحد أقصى، أما العام الماضي فباعت الجمعية منتجات بقيمة مليوني دولار، وطموحها لعام 2015 هو مضاعفة الأرقام، أو على الاقل زيادتها بحوالى 50%.


النساء أكثر المستفيدات

تشجع الجمعية المزارعين على العمل الجماعي ضمن تعاونيات أو جمعيات، كونها لا تتعامل مع أفراد، ما يساعدهم في الالتزام أخلاقياً مع بعضهم بعضاً، والثقة ببعضهم البعض، ما يساهم في زيادة إنتاجهم ويضمن استمراريتهم.

عام 2014 باعت الجمعية منتجات بقيمة مليوني دولار، وطموحها لعام 2015 مضاعفة الأرقام أو على الأقل زيادتها بحوالى 50%


والنساء من أكبر المستفيدين من المشروع. فمعظم التعاونيات هي تعاونيات نسائية، حيث تجني كل امرأة حوالى 500 دولار شهرياً، وهي أرقام تساوي ما يتقاضاه البعض في المدينة. وبعمل المرأة وشعورها بأنها منتجة، تتعزز ثقتها بنفسها وبأنها جزء فاعل في المجتمع وليست عالة على الرجل، ما يسمح بإعادة التوازن داخل الأسر، واستثمار هذا المدخول الإضافي في تكاليف دراسة الأولاد.
ويشير عبد الملك الى أن السوق الأوروبية هي وجهة الجمعية الاساسية، كما أنها بدأت تتوجه الى الأسواق العربية واشتركت الجمعية لهذا الغرض بالـ Gulf Food، إضافة الى السوق الأميركية.
كما أن العديد من السوبر ماركات في لبنان يعرض منتجات التجارة العادلة كبو خليل وفهد وTSC وغيرها، إضافة الى عدد كبير من الدكاكين.
وتقوم الجمعية بإرسال المنتج الى جمعيات مماثلة تعمل في إطار منظمة التجارة العادلة العالمية وهي تقوم بتسويقها في أماكن وجودها، أو ترسلها الى تجار في حال عدم وجود جمعيات كهذه، يكونون مهتمين بمنتجاتنا، كما هي الحال مع بعض التجار في دبي.


شرعة بلدات التجارة العادلة

في الثامن والعشرين من نيسان/أبريل المنصرم عقدت جمعية التجارة العادلة في لبنان، بالتعاون مع جمعية "الحركة الاجتماعية" مؤتمراً صحافياً أعلنت فيه توقيع "شرعة بلدات التجارة العادلة في لبنان".
يهدف المشروع الى تطوير مفهوم التجارة العادلة كي لا يبقى محصوراً بالجمعيات والتعاونيات، بل ليشمل جميع عناصر الإنتاج في البلدة، من خلال توحيد جهود السلطات المحلية بهدف تفعيل دورتها الاقتصادية.
بدأ المشروع بعشر بلدات، وهي بلدات توجد فيها أساساً جمعيات وتعاونيات. وتقوم "جمعية التجارة العادلة" في لبنان بالتعاون مع "الحركة الاجتماعية" بإرسال شباب الى هذه البلدات حيث يعقدون اجتماعات مع فاعليات وأهالي البلدات ويلقون محاضرات لنشر فكرة وثقافة التجارة العادلة.


المعايير المطلوبة

- إذا كنت من صغار المزارعين، لا بد من انضمامك إلى كيان تعاوني أو هيكل رسمي.
- إذا كنت تعمل في مزرعة يمكنك أن تبيع بعض المنتجات كمنتج تجارة عادلة، إذا ما تم تنظيم العاملين وإفادتهم من التجارة العادلة.
- عدم السماح بأي شكل من أشكال التمييز.
- كفالة حق التصويت للمزارعين أو العاملين في عملية صنع القرار، بما في ذلك كيفية استغلال حافز التجارة العادلة.
- شرط الوضوح والنزاهة في الطريقة المتبعة لإدارة أعمالك.
- شرط حماية البيئة.
- معاملة العاملين ومكافأتهم بأسلوب عادل وتطبيق مؤسستك لحقوق العمال الدولية.
- العمل على تطوير عملك لمصلحة الأعضاء أو العاملين.


كيفية الانضمام

من أجل الانضمام الى التجارة العادلة، يجب أن تتوافق المؤسسة الراغبة مع مجموعة من المعايير الأساسية. ويتم تبويب هذه المعايير الى معايير اجتماعية وبيئية وتطوير الأعمال.
وتقوم شركة مستقلة (FLO-CERT)، بالتدقيق على التعاونية والمزارع للتأكد من توافق المؤسسة واستيفائها المعايير. ويجب أن يحصل كلا المنتج والمشترى على الشهادة قبل أن يسمح ببيع المنتج كمنتج تجارة عادلة.
ختاماً، وعلى الرغم من الأهمية المتزايدة التي يكتسبها مفهوم التجارة العادلة على مستوى العالم إلا أن حجم التجارة العادلة يبقى ضئيلاً جداً مقارنةً بحجم التجارة الحرة.
يبقى السؤال، هل تكفي التجارة العادلة لتوجيه التجارة نحو مفاهيم أكثر عدالة وإنسانية؟
وحده المستهلك كفيل بالإجابة. فهو صاحب الخيار.



التجارة العادلة بالأرقام:

- يستفيد من التجارة العادلة أكثر من 1.3 مليون مزارع وعامل في 70 دولة حول العالم.
- شعار التجارة العادلة بات يوجد على أكثر من 30000 منتج كالقهوة والموز والسكر والنبيذ والشوكولا وغيرها الكثير.
- يصل حجم مبيعات التجارة العادلة عالمياً الى حوالى 4.8 مليار دولار.
- في سويسرا، نصف الموز المعروض للبيع يقع ضمن خانة التجارة العادلة.
- في بريطانيا، أكثر من 40% من السكر المخصص للبيع يحمل شعار التجارة العادلة.
- خمس الورود المباعة في ألمانيا، يحمل شعار التجارة العادلة.
- تمثل التجارة العادلة أقل من 1% من حجم التجارة العالمية في معظم الأصناف.
- في بريطانيا تصل نسبة ما يباع من منتجات التجارة العادلة إلى 30 في المئة، بينما لا يتعدى في ألمانيا نسبة ما يباع من البن في إطار هذه التجارة الواحد ونصف في المئة.
- ثلاثة أرباع الجياع في العالم يعيشون في الأرياف.
- وصل عدد المطاعم والمقاهي والمخابز التي تبيع منتجات تجارة عادلة الى 18000 عام 2011 في ألمانيا.
- صاحب مقاهي ستاربوكس جعل كل فروعه الأوروبية تبيع قهوة الإكسبريس من ماركة التجارة العادلة.