تدرك اسرائيل جيداً، وهو ما عبّرت عنه، ان جزءاً من «قواعد الصراع»، بينها وبين المقاومة، تتحدد بنتيجة المنازلة الاخيرة، التي بدأتها هي بغارة دامية في منطقة القنيطرة السورية، وحاولت رسمها بالدم.
تدرك ايضاً، كما يرد من تسريبات في اعلامها نقلاً عن مصادر سياسية وعسكرية، ان فرض المعادلات التي تسعى اليها من خلال الاعتداءات العسكرية المباشرة، تجبي منها اثماناً، لا يبعد انها كانت حاضرة لدى اتخاذ قرار الاعتداء الاخير وتنفيذه، وبالشكل الذي جرى فيه. الا ان الخلاف كما يبدو ايضاً من التسريبات، يتعلق بحجم الرد ومداه وقوته.
مع ذلك، متابعة ما ينشر في الاعلام العبري، في ظل صمت المسؤولين الاسرائيليين والامتناع عن اصدار مواقف وتصريحات، قد لا يكفي لاستشراف الموقف. اما موقف وزير الامن، موشيه يعلون، في حديث لقناة 24 العبرية، ومحاولة طمأنة الاسرائيليين إلى أن الحرب لن تقع مع حزب الله، فلا يغيّر من المسألة شيئاً.
في هذه المرحلة من المنازلة، يتجنّد الاعلام العبري والاعلاميون طوعاً لمصلحة موقف صاحب القرار في تل ابيب، وذلك الى ان تتضح النتائج النهائية للمنازلة. وبحسب هذه النتائج تُبنى المواقف والتعليقات، اما باتجاه التمجيد والثناء على حكمة من اتخذ قرار الاعتداء في القنيطرة، واما باتجاه النقد وسلّ السيوف في وجهه.
الا ان عدم وضوح الموقف في ظل حالة الترقب الاسرائيلية، لا يخفف المنسوب المرتفع من القلق حيال الآتي. وحتى الآن صدرت عن المعلقين الاسرائيليين كتابات محدودة، عبّرت عن انتقاداتها ازاء اسلوب تنفيذ الاعتداء بالقرب من القنيطرة، وليس اصل القرار، وهي اشارة دالة على الخشية اساساً، ودالة ايضاً على الآتي من الانتقادات بعد اتضاح النتيجة النهائية لما بعد الاعتداء.
والبحث الاسرائيلي المفرط في رد حزب الله على اعتداء القنيطرة، الذي شغل الاعلام العبري طوال الايام الماضية، مرده القلق من تسبب الرد والرد على الرد، ومن بعدها سلسلة الردود المضادة من الطرفين، بحرب يؤكد الاسرائيليون ان الطرفين لا يريدانها. وعلى هذه الخلفية، بدأت الكتابات الاسرائيلية تصوّب على مرحلة ما بعد رد حزب الله، وتطالب اسرائيل وصاحب القرار في تل ابيب، بأن يتحلى بالحكمة وضبط النفس، ما دام هو الذي «وضع حزب الله في الزاوية» ودفعه الى رد حتمي ربطا بحجم الخسارة التي لحقت به.
ضمن هذا المنحى، كتب يورام شفايتسر في صحيفة «اسرائيل اليوم»، وهو احد الباحثين الرئيسيين في مركز ابحاث الامن القومي في تل ابيب، مركّزاً على مرحلة ما بعد رد حزب الله، اي المرحلة التي تكون الكرة في ملعب اسرائيل وعليها ان تقرر ان كانت سترد على الرد، وطالب بضبط النفس والرد بحكمة لا تدفع الطرف الثاني (حزب الله) للرد بدوره، منعا لبدء سلسلة من الردود والردود المضادة، تقود الى حالة حرب لا يريدها الطرفان.
وفي محاولة منه للتخفيف من رد الفعل في الجانب الثاني، وايضا التخفيف من حدة اللوم اللاحق للمرحلة المقبلة عن أصحاب القرار في تل ابيب، كتب معلق الشؤون العسكرية في «يديعوت احرونوت»، اليكس فيشمان، أن من خطط لعملية الاغتيال في الجولان لم يكن يحلم بهذا النجاح الكبير. واضاف: «ربما من امر بتنفيذ العملية لم يعلم تماماً من كان في الموكب المستهدف، والا فهناك خطأ في التفكير الاستراتيجي، لأن التخطيط كان لعملية تكتيكية على الحدود، لكن النتيجة كانت حرجة، و»في اسرائيل يلتزمون الصمت، والكل يطمر رأسه بالتراب على امل أن تمر هذه الحادثة بسلام، اما إذا هبت عاصفة ما، فيأملون ان تكون قصيرة».