غسان سعودحمل خطاب الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله العونيين على كتفيه وركض بهم نصف السباق الانتخابي، قافزاً فوق بضعة عوائق (مرة إعلانية، ومرة إعلامية، ومرات بيانات ساذجة)، ومتقدماً بهم على خصوم كثيرين وجدوا أنفسهم، قبل 10 أيام من الانتخابات، مرتبكين بسقوط غالبية شعاراتهم الانتخابيّة.
الخطاب، في الأوساط المسيحية، كانت له نتيجتان واضحتان: رفع معنويات العونيين، وارتباك الأكثريين. في الطريق إلى النتيجة الأولى، يقول النائب إدغار معلوف إنه «بعد 24 عاماً من صداقته اللصيقة بالعماد ميشال عون ما من شهادة بالجنرال يمكن أن تكون أفضل من شهادة نصر الله الأخيرة». وهي دلت على عمق معرفة نصر الله بعون رغم ندرة لقاءاتهما، معتبراً أن أهمية الشهادة تكمن في معرفة اللبنانيين أن قائلها لا يتملق لأحد، وتأكيدها للمسيحيين أن لديهم قائداً يجله أهم حزب إسلامي في العالم، مشيراً إلى أنه لم ير الجنرال بعد، لكنه يقدّر أن يكون قد شاهد السيّد بعينين دامعتين. وقد استطاع نصر الله بطريقته أن يقول للعونيين إن زعامة عون أكبر من رئاسة جمهورية أو رئاسة تكتل نيابي.
أما النتيجة الثانية، فبدت واضحة في بعض الوجوه الصفراء التي آثرت أمس عدم التعليق باحثة في أرشيفها عن التصريحات الذكية لتتأكد من أنها ليست الموصوفة من السيّد بالجنون. وقد لاذ الكتائبيون المشغولون بتبرير دعوة وزير السياحة إيلي ماروني القوى الأمنية إلى دهم مراكز حزب الله لجمع سلاحه بالصمت، فيما ينتظر القواتيون إطلالة قائدهم سمير جعجع (الذي بات لا يرد في السياسة إلا على نصر الله والإعلانات الانتخابيّة) ليعيدهم إلى الخريطة الانتخابيّة بعدما خرّب نصر الله عليهم في كلمته كل حملتهم.
ويقسّم أحد المتابعين الشق المسيحي في كلمة نصر الله إلى 3 عناوين: تأكيد زعامة عون الوطنية وتجديد التمسّك بتحالف حزب الله والتيار الوطني الحر، دحض الافتراءات بشأن المثالثة، ووضع كل قدرات الحزب بتصرف عون نتيجة للثقة به.
وينقل أحد أصدقاء الجنرال قوله: «لو كنت أنا ونصر الله سنة 1975 لما حصلت حرب». ويدعو «المتذاكين» إلى زيارة خطوط التماس في الحرب السابقة ليكتشفوا كيف تحوّلت إثر تفاهم التيار الوطني الحر وحزب الله إلى خطوط أمن وسلام. وفي السياق ذاته، يقول النائب إبراهيم كنعان إن المشككين بنيات حزب الله سيكونون محرجين بعد الخطاب، وسيجدون من يسألهم عن نيّاتهم المبيّتة من إثارتهم الدائمة للغرائز ولعبهم على الأوتار المذهبية. ويتوقف كنعان طويلاً عند رسم نصر الله خريطة طريق لكل مشاكل البلد تتمثل بالثقة، وجزمه بأن التهويل يعطي نتائج عكسية. وعبّر عن شعوره بعد سماعه الخطاب بأن ثمة أسساً صلبة ومهمة لبناء الطمأنينة بعد 7 حزيران للوصول في المرحلة اللاحقة إلى حصر كل أمور الدولة بيد الدولة القوية والعادلة، مجدّداً التأكيد أن الخطاب يسخّف طرح الآخرين ويحرجهم كثيراً.
ويرى النائب إدغار معلوف أن أثر الخطاب مسيحياً سيكون كبيراً على الصعيد الانتخابي لأن الناخب سينظر إلى عون بصفته الزعيم المسيحي القوي الذي يعتزّ به ويقدّره الأقربون والأبعدون، الزعيم العنيد الذي لا يلين. ويشير إلى أن تجربة حزب الله مع عناد عون لم تبدأ من موقف عون إزاء الانتخابات في جزين، بل عشية إعداد وثيقة التفاهم التي استغرقت 6 أشهر نتيجة دقة الجنرال وتأنّيه في البحث عن الكلمة المناسبة لتكون في المكان المناسب.
وبدوره، النائب عباس الهاشم، يقول إن استعادة الدور المسيحي يحتاج إلى شريك مسلم، و«ها هو نصر الله يقول إنه مستعد لتلبية كل طلبات الجنرال في هذا الخصوص»، وهو أمر لا يستطيع سعد الحريري قوله غداً لتفادي إحراج حلفائه أمام مجتمعهم لأنه كان يستطيع المبادرة خلال السنوات الأربع الماضية لكنه لم يفعل شيئاً. وبحسب الهاشم فإن نصر الله جزم أمس بأن للعماد عون دوراً رائداً في قيادة النظام في لبنان بعد الانتخابات.