يوماً فيوماً، يرفع ميشال المر سقف التحدي أكثر. بدايةً، كان يعد باختراق ثلاثة مرشّحين لائحة عون، ثم صاروا خمسة، واليوم يعد بـ«السبعة»، مع العلم بأن الفوز في المتن، بالنسبة له، تحصيل حاصل، مقارنةً بالمعارك التي يُعدّها في الأشرفية وبعبدا
غسان سعود
تخطّى ميشال المر منذ نحو 15 سنة سنَّ التقاعد الرسمي، لكنه آثر الاستمرار. قفز بنجاح فوق محاولة الرئيس إميل لحود إقالته بطريقة مهذبة وإحلال ابنه إلياس محله. عرف كيف يركب فوق التسونامي العوني، لا أن يغرق في مياهه المالحة، كما حصل مع سياسيين آخرين، ليعود من حيث لا يدري الآخرون إلى بعبدا طارحاً نفسه رجلاً للعهد. وبعدما تعثر طرحه «الاستقلالي» بدايةً، نتيجة قلق بعض الأكثريين على مواقعهم، عادت الأمور لتصبّ عنده، فحلّ مرشحوه بدلاً من مرشحي الأكثرية التي تجد نفسها في دائرة بيروت الأولى، بعبدا، والمتن تسير خلف أبو الياس متجاهلة ما سبق أن قالته بحقِّه.

«سيغاريلو» المنتصر

في عمارة شلهوب، مقر ماكينته الانتخابيّة، ثمّة زحمة متواضعة: رؤساء مجالس بلدية وأعضاء بلديات، مخاتير، مصرفيون، و«مفاتيح» آخرون ما زال المر مفتاحهم الأساسي. كلهم يعملون بهدوء على لوائح الناخبين، واضعين اللمسات الأخيرة على ما يصفونه بالمعركة الساذجة لكثرة سهولتها.
خلف هؤلاء في مكتبه الواسع، يبدو المر مرتاحاً إلى سير المعركة، يتلذذ بالـ«سيغاريلو»، ويروي كيف سيفوز مع حلفائه الجدد بالمقاعد السبعة في المتن:
«أنا لا أهتم كثيراً بالاستطلاعات. في انتخابات المتن الفرعية قبل سنتين كنت والعماد ميشال عون وحزب الطاشناق نتشاور، وأجمعنا يومها على أن قوتي الشخصية تتوزع كالآتي: 10 آلاف صوت ثابتون، مهما تكن وجهة المعركة، 5 آلاف أملك لوائح بهم يقترعون لمن يهتم بهم، و5 آلاف يمكن تسميتهم كتائب المر، إذ يقترعون للائحة المر، لكنهم يشطبون أحد المرشحين الموارنة ليضعوا اسم مرشح آل الجميّل إذا كان في لائحة مضادة. وأوضحت للجنرال أنني في معركة ضد الجميّل، ومن دون اهتمام مادي ببعض الناخبين أستطيع تجيير 10 آلاف صوت لمرشحه. وقبل الانتخابات بيومين، قبيل اجتماع تكتّل التغيير والإصلاح في «قبو الرابية»، اختليت والعماد عون والأمين العام لحزب الطاشناق، هوفيك مختاريان، في الصالون الجانبي، وجزمت بأن الفارق لن يتجاوز ألفي صوت، إما لمصلحة كميل خوري، أو لمصلحة أمين الجميل، فوافق مختاريان، فيما قال عون إن (النائب) إبراهيم كنعان و(الوزير) جبران باسيل أبلغاه أنهما أشرفا على دراسة أعدّها أحد الباحثين، وأكدت فوز المرشح العوني بفارق يتجاوز عشرة آلاف صوت. ولاحقاً، بعد الانتخابات، أتى كمال فغالي، المعيّن اليوم «مسؤولاً إعلامياً» في ماكينة التيار الوطني الحر إلى مكتبي ليخرج من حقيبته، بعد حديث طويل، دراسة تؤكد ما أقوله».
ويبحث أبو الياس قليلاً بين الأوراق المكدّسة فوق مكتبه، قبل أن يُخرج الدراسة التي أعطاه إيّاها فغالي (منسّق الماكينة الانتخابية في التيار الوطني الحر) في تموز 2007، وعنوانها «تحليل إحصائي لقوة ميشال المر التجييرية في المتن منذ عشر سنوات لغاية اليوم». ويقول فغالي فيها إن «ثمة حقائق في مسيرة دولة الرئيس المرّ ينبغي إعلانها، وهي تؤكد موقعه المحوري والاستقطابي على الصعيدين السياسي والانتخابي في المتن (...). وقد التفّ المتنيون حول هذه المسيرة، والتزموا النهج السياسي والوطني للمرّ، بدليل الشعبية المطلقة التي يتمتع بها، والقوة التجييرية لأصوات ناخبيه. وتؤكد نتائج الانتخابات النيابية والبلدية والاختيارية في منطقة المتن أن شعبيته تتبع من 1996 إلى اليوم خطاً بيانياً مستقراً وتفوق 20 ألف صوت، وهي قوة تجييرية ثابتة لم تتغير مع تبدل الأسماء والتحالفات». ويشير إلى أن «نتائج الانتخابات النيابية والبلدية تمثّل معياراً للحكم على شعبية المرّ ومدى تمثيله للرأي العام وقوته التجييرية لأصوات ناخبيه». ويستعرض فغالي نتائج الانتخابات في دورات عدة لينتهي إلى الجزم بأن قوة المر التجييرية بلغت بالحد الأدنى 20000 صوت. ويشير إلى أن نتائج انتخابات 2005 أثبتت استمرار القاعدة الانتخابية للمر على حالها، مؤكداً أن أنصار التيار الوطني الحرّ لم يلتزموا التصويت للائحة كاملة، ما حرم المر نحو 8000 صوت.

لائحة المر تتقدم بسبعة آلاف

هكذا، يرمي المر الكرة في ملعب فغالي، مبطلاً فاعلية «الإحصاءات التي ترجّح من تشاء»، و«إن كان ابني الياس والرئيس أمين الجميّل يتسليان بهذه الإحصاءات ويتأثران ببعضها».
ويلفت إلى ثقته المطلقة بحساباته الشخصية، واطمئنانه إلى فوزه مع حلفائه بالمقاعد السبعة في المتن، وفق هذه الحسابات، وهي كالتالي، يقول أبو الياس: أنا أجيِّر للائحة «الإنقاذ» 15 ألف صوت (10 آلاف يتوزعون بين بتغرين والزلقا ـــــ عمارة شلهوب والجديدة، و5 ينتخبون وفق مصلحتهم المرتبطة بالمر)، والكتائب يجيّرون نحو 18 ألفاً (ضمنهم 5 آلاف من كتائب المر)، فيصبح المجموع 33 ألفاً، يُضاف إليهم 6 آلاف صوت يجيرهم حزب القوات اللبنانية، ألفان يجيرهم المرشح سركيس سركيس للائحة، ألفان أرمن غير طاشناق ينتخبون لائحة الأكثرية «زي ما هيي»، وألفان يجيرهم المرشحان الآخران (إميل كنعان والياس مخيبر). فتكون قوة لائحة المتن الإنقاذية التجييرية 45 ألف صوت.
في المقابل، يقول المر إن القدرة التجييرية للتيار الوطني الحر يمكن أن تبلغ في حال نشاط ماكينة التيار على نحو استثنائي نحو 25 ألف صوت، يضاف إليها 8 آلاف صوت أرمني في أفضل الأحوال، و5 آلاف صوت من القوميين السوريين الاجتماعيين ليكون «مجموع القوة التجييرية للائحة عون نحو 38 ألف صوت، أي بفارق 7 آلاف صوت عن قدرة لائحة الإنقاذ التجييرية».
ينهي أبو الياس الحسابات ويرتاح في مقعده مستمتعاً بمشاهدة المستمعين إليه يَعجَبون ويُعجبون، مردّداً أنه عشية الانتخابات الفرعية الماضية أجرى حسابات مماثلة، وقال توقعاته علناً ليتبيّن لاحقاً أنه يصيب أكثر ممن يطلق عليهم البعض اسم الباحثين. ويؤكد أن التوازن القائم اليوم يعطي 45 ألف صوت للأكثرية، 38 ألف صوت للائحة عون والقوميين (مجموعهما 83 ألفاً)، فيما يفترض أن يقترع نحو 90 ألف متني، ما يعني أن «ثمة 7 آلاف مقترع ما زالوا خارج الحساب، ولا يمكن توقع نياتهم قبيل يوم الانتخاب». ويرى أن خطاباً مثل الخطاب الأخير للأمين العام لحزب الله حسن نصر الله عن أحداث 7 أيار يؤثر حكماً في هؤلاء، ويجعلهم أقرب إلى الأكثرية والمستقلين، لكون غالبيتهم غير حزبيين، لا يريدون أكثر من العيش بسلام وطمأنينة. ختاماً، في الموضوع المتني، يرى أبو الياس الممثل في اللائحة «عبر كل المرشحين، ولا سيما عبر بيار الأشقر والياس مخيبر وإميل كنعان وسركيس سركيس»، أن فوز خمسة من لائحته السباعية محسوم، ويبقى صراع على مقعد ماروني بين النائب إبراهيم كنعان ومرشح القوات، إدي أبي اللمع، وعلى المقعد الكاثوليكي بين النائب إدغار معلوف والمرشح إيلي كرامة (الكتائب)، مع العلم بأن المر يمسك بحسابات لائحته في المتن، ويُعَدّ تالياً الناطق الرسمي باسم اللائحة.
وفي الانتقال إلى الدوائر الأخرى، يرفض المر البوح بما يخبئه، وإن كان يجد نفسه معنياً مباشرة بمعركتين أساسيتين في دائرتي بيروت الأولى عبر حفيدته المرشحة نايلة تويني، وبعبدا عبر صهره المرشح إدمون غاريوس. في الأشرفية يقول مختصراً: يفوز من لائحة عون المرشحان الأرمنيان فقط. وفي بعبدا، سيثبت غاريوس حضوراً مسيحياً استثنائياً. خارج المكتب، يبدو فريق عمل «دولة الرئيس» أقل تكتماً على المعارك غير المتنيّة، فيؤكد أحدهم نقلاً عن المر أنه ما من معركة في جبيل، لأن رئيس الجمهورية عبر المرشحين القريبين منه لا يمكن أبداً أن يخسروا، وسيفوز هؤلاء بثلاثة مقاعد. أما في كسروان، يتابع المصدر نفسه، فيواجه عون وحده الكنيسة ومؤسسات الدولة والعائلات المحلية والأحزاب، وهو تالياً سيخسر حتماً، وقد يخرق عون ومعه مرشح آخر، «لعله يوسف الخليل». ويبدي المصدر اعتقاده بأن استمرار النائبين بيار دكاش وعبد الله فرحات في ترشحهما سيسهل على المرشَّحين إدمون غاريوس وصلاح حنين اختراق لائحة عون ـــــ حزب الله في بعبدا أيضاً.

إذا أخطأ المختار

يصيب أبو الياس في حساباته أو لا يصيب، يفترض انتظار 7 حزيران، فالرجل يلتقي يومياً عشرات المخاتير ورؤساء المجالس البلدية و«المفاتيح». وكل واحد من هؤلاء يحمل معه ملفاً بناخبين يثق بأنهم سيقترعون على هوى أبو الياس. وتالياً، تصحّ حساباته إن صدق هؤلاء، وقد سبق لهم أن صدقوا. أما إذا خيبت الصناديق ظنّهم وظنّه فتلك مسألة أخرى.
الرجل بعد نحو خمسين عاماً من المعارك الانتخابية (ترشح للمرة الأولى عام 1960) بات يرفض التشكيك في حساباته، وهو يعتقد أنه في الانتخابات الآتية يتوج حياته السياسية. يبحث لنفسه عن انتصار متني ضخم يجعله رجل الجمهورية، ويكرس فوز ابنه بوزارة سيادية في حكومات العهد الآتية. يرشّح حفيدته في دائرة وصهره في أخرى، ويشرف على الطبخات في دائرتين إضافيتين. تطلعات تبدو مثالية لرجل كان يفترض أن يحرجه الانسحاب العسكري السوري من لبنان عام 2005 ليخرجه كما أخرج معظم أصدقائه في الحقبة السورية.
أما إذا خابت تلك الحسابات، وخسر المر في عقر داره المتني أو نجا بمقعده فقط كما تحسب المعارضة، فستكون تلك قصة أخرى. مع العلم بأن مسؤولي التيار الوطني الحر يوثّقون كلام المر مترقبين يوم الحساب، ولسان حالهم: العماد عون سكت عن إهانات المر، واكتفى بترشيح غسان الرحباني لينافسه على مقعده، هو هكذا يحجّم الناس، والمر شاهد حيّ على تجربة المرشح السابق أمين الجميل والنائب كميل الخوري.


مرتكزات المسيرة1. التوجهات السياسية التي تعكس تطلعات الناخبين والرأي المتني. والنائب المرّ صاحب خط سياسي وطني واضح.
2. الإنجازات والمشاريع والخدمات التي أداها وحققها للبنان عموماً وللمتن خصوصاً.
3. ابتعاده عن الانعزال والأحادية في تحالفاته السياسية والانتخابية، إذ يُعرف عنه أنه شخصية مستقلة ومعتدلة وذو دور توفيقي ويتقن اللعبة الانتخابية من خلال التحالفات والتوازنات التي تحقق له النجاح السياسي والانتخابي.



بين المر وكنعان... صحافي
إفلاس «جماعة عون»