شهد قضاء المتن الشمالي أمس في بعض القرى معركة أقرب إلى كسر العظم بين متنافسين يحاول كل منهم الاستحواذ على كل شيء، فيما لم يختبر الجزء الآخر من القرى المعارك، إمّا لاعتبارات التوافق المسبّقة أو لأن المنطقة «معروفة لمين»
راجانا حمية
بدأ «المشوار» من سن الفيل وانتهى فيها. لم تشبه تلك البداية ما آلت إليه النهاية. فالصباح الذي بدأ «تغييراً» انتهى مع ارتفاع أسهم «مبايعة» الرئيس البلدية الحالي نبيل كحالة، المحسوب على الكتائب، للمرّة الثالثة. كان الصباح «طرياً» هناك. أجراس الكنائس تُقرع بقوة. مؤمنون يلتحقون بقداديس الأحد، فيما مؤمنون آخرون يؤدّون واجبهم الانتخابي «عَ الخفيف». كانوا مميزين بوضوح: أصدقاء كحالة بالقمصان الحمراء وشعار نحو الأفضل منتشرون عند مدخل بيت «الريّس»، وعلى بعد أمتار قليلة، يتمركز أنصار عبدو شاوول، رئيس اللائحة المدعومة من العائلات وعونيين. كان الفارق بينهم بضعة أمتار، ومع ذلك الفارق شاسع في تقدير النهاية. فالصباح المتني كان مطمئناً لأنصار التيار الذين عوّلوا في معركتهم على «فارق الـ200 صوت الذي أحدثه العونيون خلال الانتخابات النيابية في المنطقة المحسوبة تاريخياً على الكتائبين»، يقول أحد المناصرين. يصل هذا المناصر إلى نتيجة أنّ «التيار يغلب، إذا التزم العونيون بقرار قيادتهم». مرّ نصف الوقت. المناصر مثابر على توقعاته، وكذلك الحال بالنسبة إلى أصدقاء لائحة كحالة، المدعومة من الكتائب والقوات اللبنانية والأحرار والتيار الوطني الحر. الكل مؤمن بالنجاح، رغم الخوف ممّا تخفيه الوقفة وراء الستار العازل. والكل مستعد لذلك حتى لو بمنافسة «ابن الضيعة». وأكثر من ذلك، كان يمكن احتساب منافسة أخرى، يمكن تعميمها على معظم قرى المتن، فرضتها التحالفات الجديدة. وهي المنافسة التي جعلت حلفاء الأمس يتقابلون، وحتى أبناء البيت الحزبي الواحد، كما جرى مع التيار الوطني الحر... والعونيين في سن الفيل.
انتهى النهار المتني في سن الفيل بانقلاب الأدوار. بدأ اليأس يتسلل إلى أنصار شاوول المتجمعين في منزله. أبو دوري الذي يدير حملة الأخير شغّل اتصالاته للإتيان ببعض الأرمن الطاشناق الذين لم يصوّتوا كفاية للائحة، كما يصر شاوول. الكل مشدود الأعصاب، فيما أصدقاء كحالة يحتفلون بالفوز المبدئي «عَ العالي عَ العالي/ طالع بالعلالي/ إنت اللي بتحبو الناس/ الريس نبيل كحالة». قبل الإقفال بدقائق، كثُر أصحاب القمصان الحمراء، وخرج مناصروهم من الشرفات وعلى الطرقات يهنّئون «الريّس»... بالنتيجة التي لم تصدر بعد. من شدة الفرح، أضاع كحالة طريق عودته، فيما شاوول يحاول قدر المستطاع تحمّل «مصيبة غالبية الشيعة والطاشناق الذين لم يأتوا». يحاول شاوول بلع فعلتهما، لكنه لا يفلح، فيخبر كل من يتصل به أن «اللعبة يمكن مطبوخة قبل بين المر والطاشناق وحركة أمل الذين قالوا لي قبل الانتخابات إنهم سيقفون على خاطر الرئيس ميشال المر».
مشهد سن الفيل ينسحب على معظم قرى المتن التي شهدت معارك سياسية، تحت شعار العائلة. كانت في البعض معارك كسر عظم وأخرى لإثبات الوجود، وإن لم تفز. ومع ذلك، كانت المعارك «طاحنة».
بيت مري، الزلقا ـــــ عمارة شلهوب، انطلياس ـــــ النقّاش، الجديدة ـــــ البوشرية ـــــ سد البوشرية، بيت شباب، بعبدات، ضبيّه، الدكوانة، كلها شهدت معارك، إمّا طاحنة أو لإثبات الوجود، كما حصل في بيت الشعار، عندما ألّف الكتائبيون لائحة غير مكتملة سمّوها «لائحة الكرامة»، ولم ينتخبها أحد، حتى هم. أو حتى المستقلّون الذين كانوا كثراً في بلدات المتن، والذين يواجهون في بعض الأحيان أحزابهم بصفة الاستقلالية تلك، كما كانت الحال في المنصورية.
لكن، ماذا لو لم يتوقّف كسر العظم على الأحزاب ليصل إلى الأشخاص، كما كانت الحال في أنطلياس ـــــ النقّاش؟ هناك، كان الكل مجمعين على أن المعركة سياسية ومحورها «الميشالان»: المرّ وعون. في النقّاش، كانت المنافسة «عمرانة» بين لائحتين في العلن واسمين ضمنياً. باختصار، كانت «عَ الحفة» و«المنخار عَ المنخار»، بين ميشالين «عم يطحنوا بعض». كل ذلك كان محمولاً بالنسبة إلى مناصري إحدى اللائحتين، إلّا قلة الحضور الأرمني. ففي القلم الرقم 3 المخصص للأرمن، كان من المفترض أن يقترع 511، لكن لم يأتِ سوى 126.
لا أحد يعرف ما هو السر الأرمني، إلّا بانتهاء كل شيء.
ما كان سراً أرمنياً في انطلياس، انقلب كتائبياً في الجديدة ـــــ البوشرية ـــــ سد البوشرية. هنا، كان على العونيين أن يفكّوا لغز الكتائبيّين الذين قيل إنهم «يشطبون بعض الأشخاص في لائحة جديدة التوافقية رغم تمثّلهم فيها»، يقول إيلي. ليس هذا فحسب، ففي تلك المنطقة، حقّق الكتائب «سكور» عالياً في التمثّل في 3 لوائح دفعة واحدة: الأولى مكتملة وهي اللائحة التوافقية، والثانية غير مكتملة بينهم وبين القوات اللبنانية، والثالثة غير المكتملة أساساً وهي التي تضم مستقلين... كتائبيّين.
هنا، «عَ المنخار»... لكنه «show» غير مفهوم، فالكتائبي المتحالف مع التيار هنا يحتفل، فيما «أهل بيته» يحتفلون في مركز الكتائب. مَن الرابح إذاً؟ لا أحد يستطيع التكهن.
على مقربة من الجديدة، معركة أخرى لا تقل أهمية في الزلقا ـــــ عمارة شلهوب. في العمارة المحسوبة على الرئيس ميشال المر، تخاض معركة رغماً عن أهل البيت، بعدما أعلنها التيار الوطني كذلك. ليست معركة ذات صفة كاملة، إذ إن رئيس لائحة «الوحدة والإنماء» ميشال عساف المر والمدعوم من الرئيس المر مطمئنّ للنتيجة. ودرجة الاطمئنان بلغت حدّ تجهيز مستلزمات الحفلة قبل النتيجة. يعرف أن العمارة «ستبقى للمر، رغم العونيين»، يقول.
المر باقٍ في العمارة. أمّا آل مخيبر، فلا «رغبة في بقائهم في بيت مري»، يقول جوزف ماضي. إصرار ماضي يبدو مقبولاً في صفوف بعض الأهالي الذين دعموا للمرة الأولى لائحة الأحزاب والعائلات في وجه آل مخيبر وبعض العونيّين. اللائحة التي يسمّونه لائحة آل مخيبر، يرفض رئيسها رولان رعد نسبها إلى العائلة فقط، فهو يقول إنها «تضم التيار والكتائب والقوات وآل مخيبر». اللائحة الأخرى فيها عونيون وتيار أيضاً، والكل هناك يقول إنّ «التيار معنا مش معهم». أمّا التيار؟ فيفيد «أنه على مسافة واحدة ولا يؤيد لائحة ضد أخرى».
الحال مختلفة تماماً في بيت شباب، فهذه البلدة الصغيرة كانت معركتها قاسية في ظل وجود ثلاث لائحات مكتملة. هنا، كانت المواجهة بين أهل البيت الواحد: عونيّون ضد عونيين، كتائبيّون ضد كتائبيّين، قوميّون سوريّون ضد قوميّين سوريّين.
في بعبدات، كان الوضع أكثر اختلافاً. فقد كان من المفترض أن يكون هناك لائحة توافقية، لكن ثمة من لم يرَ لهذا التوافق وجوداً، ومنهم «تيار نصري نصري لحواد» الذي يواجه إميل لحود ونسيب أيضاً والعونيين والعائلات أيضاً. أمّا عدم القبول، فمردّه إلى أنها «توافقية استنسابية، لم تأخذ رأي بعض أجباب العائلات». لم تكن الصفة حكراً على بعبدات، فقد ترشّح الكثيرون في مناطقهم، إمّا لأنهم «لم يُستشاروا» في التوافق أو لتسجيل موقف ضد أحزابهم.
في ضبيه، كان اللقاء القمة بين القوات والقومي في مواجهة الكتائب والحليف في بعض المناطق، العوني. كان يمكن أن يبقى لقاءً للقمة، لولا أن منفّذ عام ضهور الشوير، القومي، نجيب خنيصر قال إنّ «الحزب لا يتحالف إلا مع حلفائه الطبيعيّين وما جرى في ضبيه هو اختيار ممثل لعائلة صودف أنه قومي». بعيداً عن المعارك، استطاعت بعض البلديات أن تحسم خياراتها من دون معارك انتخابية، بالتوافق أو التزكية. أو أنها لم تشهد معركة كسر عظم، وخصوصاً في المناطق المحسوم أمرها لأحد الأطراف، مثل بكفيا معقل آل الجميل، وبتغرين معقل المر، وضهور الشوير المعروفة بانتمائها القومي.
لكن، بعد كل هذا، ثمة ما يجب التذكير به، وهو أن النساء «بعد ناقصن» حضور أكثر، حيث لم تسجل نسبة المرشحات في المتن أكثر من 7%. أمّا المخالفات، فقد كان معظمها يتعلق بتوزيع لوائح داخل مبنى الاقتراع وعلى أبواب الغرف، إضافةً إلى «اللخبطة» بين صناديق البلدية والمخترة. وهو ما عمّمت بشأنه وزارة الداخلية، معتبرةً أن «اسم المختار الذي يوضع في صندوق البلدية والعكس صحيح لا يحتسب ولا يلغى، بل يسجّل في محضر على أن تدرسه لجنة القيد».