منذ اللحظة التالية لاغتيال الرئيس رفيق الحريري، وُضعت الأجهزة الأمنية اللبنانية في خانة المتهم. بعضها متهم بارتكاب الجريمة، وبعضها الآخر مقصّر في حماية الحريري، فضلاً عن مشاركة جزء من هذه الأجهزة في توفير البيئة التي أدّت إلى كشفه سياسياً قبل اغتياله. جرت أبلسة هذه الأجهزة، قبل أن يبدأ أيّ منها بالتحقيق في الجريمة. وزاد من حدّة الاتهامات عدد كبير من الهفوات والأخطاء التي ارتكبتها السلطات القائمة بالتحقيق.
ولم يشفع لتلك الأجهزة أن بعض الأخطاء نابع من «التشوّهات» البنيوية التي تعانيها مؤسسات الأمن في لبنان، وأن بعض هذه التشوّهات يستمر قائماً حتى يومنا هذا. قرار تفكيك البنية الأمنية الحاكمة في ذلك الحين اتخذ منذ اللحظة الأولى للجريمة، لكن ذلك لم يمنع جهات التحقيق اللبنانية التي بدأت بعملها فور وقوع الجريمة من فتح مسارات تحقيقية جدية. فكل ما نسبت لجنة التحقيق الدولية إنجازه إلى نفسها منذ عام 2005، هو في الواقع «صناعة لبنانية»، وبعضه يعود إلى عهد «النظام الأمني اللبناني ـــــ السوري» المشترك! ما يستند إليه التحقيق الدولي من معطيات صلبة ينقسم إلى ثلاثة أجزاء: الاتصالات الهاتفية التي توصلت من خلالها مديرية استخبارات الجيش، ثم فرع المعلومات، إلى تحديد مجموعة مقفلة من الأرقام الهاتفية، يعتقد أن من اغتالوا الرئيس رفيق الحريري استخدموها لمراقبته. أما الجزء الثاني، فيتعلق بسيارة الميتسوبيشي التي حددها قسم المباحث العلمية ومكتب المتفجرات في الشرطة القضائية وفرع المعلومات في المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي. يبقى الجزء الثالث المتعلق بكيفية التفجير ومحاولة تحديد من يعتقد أنه المفجّر الانتحاري. ومن الجزء الأخير، تبدأ «الأخبار»، اليوم، بنشر سلسلة حلقات عن التحقيقات الميدانية في اغتيال الرئيس رفيق الحريري، استناداً إلى المحاضر الرسمية التي أنجزت خلال الأيام القليلة اللاحقة ليوم الجريمة. وما سيُنشَر خلال الأيام المقبلة، يتضمن إضاءات على التحقيقات في ثلاث من الجرائم التي وقعت خلال السنوات الماضية، وبالتحديد، جرائم اغتيال كلّ من الأمين العام الأسبق للحزب الشيوعي جورج حاوي والنائب جبران تويني واللواء فرانسوا الحاج.