يتصدّر هذا السؤال المحيّر الأحاديث بين الأصحاب والأقارب، مع خروج أي مادة إعلامية بهذا الخصوص، وتحديداً بعد انتشارها عبر وسائل التواصل الاجتماعي. الجواب ليس بسيطاً وخاصة أن اتخاذ الأهل أي قرار بخصوص صحة أطفالهم يكون أصعب بكثير منه فيما لو أنه يطال صحتهم الخاصة.
أصبح من المُثبت علمياً أن عملية التلقيح لكلّ أفراد المجتمع وبمن فيهم الأطفال، تشكّل حاجزاً فعالاً أمام انتشار الوباء. تؤمن هذه العملية حماية معتبرة لكبار السن من الأجداد والآباء، بالإضافة للأشخاص الذين يعانون من مشاكل صحية مختلفة. كما أن تلقيح الأطفال ضروري لانتظام التعليم في المدارس، التي أصبحت عودتهم الحضورية إليها أمراً ملحاً لإنقاذ مستقبلهم.

لكن ماذا عن الفائدة على المستوى الفردي للطفل؟ ففي النهاية، مصلحة أطفالنا الخاصة تتقدم سُلّم أولوياتنا. المفاضلة بين قرارين هي ما عايشته عندما أصبح الموضوع متعلقاً بابني البالغ من العمر 13 عاماً، وأصبحت مسألة إعطائه اللقاح شخصية بالمطلق.

التجارب السريرية على عدم السُمّية (toxicity)، التي هي جزء من عملية اعطاء موافقة رسمية قبل السماح باستعمال أي لقاح، أثبتت سلامته في حالة الأطفال كما البالغين. لكنها أجريت على مدى قصير نسبياً! ماذا لو أنه مؤذٍ ولكن ليس في المدى المنظور؟ الآثار الجانبية، إن وجدت، تظهر بغالبيتها بعد التلقيح بأسابيع قليلة. هذا ما استنتجه العلماء عبر تاريخ طويل من التطعيم ضد أمراض مُعدية عديدة.

أهم لقاحات كورونا المعتمدة تقوم على استراتيجيات جينية وغير مجربة من قبل في المجال الطبي؛ لكن التقنية بحدّ ذاتها ليست بجديدة. فمسار أحدثها، التكنولوجيا القائمة على الحمض النووي الريبي (mRNA)، هو ثمرة عمل مئات الباحثين على مدى أكثر من 30 عاماً.

ورغم كل ما تقدم، لم يكن حسم القرار سهلاً! لماذا أعطي ابني لقاحاً ضد فيروس لا يشكل خطراً حقيقياً على الأطفال الأصحاء؟ فعوارضه عادة ما تكون محدودة إن لم تكن معدومة عندهم. والذين يدخلون المستشفى بعد إصابتهم بكورونا هم في الغالب أطفال يعانون من أمراض أخرى. إذاً، لو كان ابني يعاني من أي مشاكل صحية لما كنت تردّدت ولو للحظة عن حمايته عبر تطعيمه.

أكثر من ستة ملايين طفل أصيبوا حتى الآن حول العالم. ظهرت على نسبة غير قليلة منهم أعراض من قبيل ارتفاع الحرارة، والسعال، والإرهاق وفقدان حاسة الشم أو التذوق، والصداع وآلام الحلق. بعض الحالات تتطوَّر إلى أعراض أكثر خطورة مثل صعوبة التنفس وآلام الصدر، وفقدان الإدراك والقدرة على الكلام. هنا، خَطرَ في ذهني فكرة أرّقتني؛ كيف لي أن أعرف أن ابني سليم 100في المئة؟ وأن جيناته لا تخفي أي عيوب من الممكن أن تجعله فريسة سهلة لهذا الوباء؟

وأنا حائر بين كل هذه الأسئلة، ظهرت عوارض نزلة صدرية قوية على ابني، وخرج فحص الـ«pcr» ليؤكد إصابته بكورونا. لا أستطيع أن أصف لكم شعوري وأنا أحس بصعوبة أنفاسه. كانت ليالٍ طويلة ملؤها تساؤلات عن مناعة ابني بمواجهة «كوفيد». لقد كانت لدي فرصة حقيقية لتحصينه، لكني ترددت فخاطرت بصحته!

هذا و لا بد من الإشارة إلى تقرير حديث، صدر عن مركز مكافحة الأمراض والوقاية الأميركي (CDC)، يشير إلى إزدياد ملحوظ في عدد الأطفال الذين يدخلون المستشفى بسبب Covid-19. تترافق هذه الزيادة مع الموجة الجديدة لمتغير «أوميكرون» الذي يجتاح الولايات المتحدة والعالم.

وهنا أتساءل، هل طرح أهلنا هذا الكم من الأسئلة قبل إعطائنا اللقاحات إبان طفولتنا؟ وهل ترددنا نحن إلى هذا الحد قبل إعطاء أولادنا لقاحاتهم السابقة؟

* أستاذ في الجامعة اللبنانية، منسّق برنامج الماستر في علم المناعة