تقول الأسطورة إن الطرواديّين، بعد أن كانوا قد تصدّوا لحصار اليونانيّين بفضل حصون مدينتهم المنيعة، واعتقدوا أنهم هزموهم نهائياً، ارتكبوا هفوة أودت بانتصارهم وبمدينتهم. فقد أدخلوا إلى أسوارهم حصاناً خشبياً كان قد تركه المهزومون عند شاطئ البحر؛ لاعتقادهم أنه نوع من الهدايا. وكانت المفاجأة عند هبوط الليل، حين خرج الجنود المختبئين داخل حصان طروادة ليمعنوا في المدينة الثملة بنشوة الانتصار، قتلاً وتنكيلاً.
هذه الحكاية المتخيّلة من الميثولوجيا الإغريقية، هي مثال حي لما تفعله بعض الفيروسات داخل أجسامنا. كورونا مثلاً، تدخل خلايانا خلسة لكي تستعملها مصانع لإنتاج أعداد هائلة من الجزيئات الفيروسية. الخطير في الأمر، أن هذه الخلايا المصابة، تصبح كأحصنة طروادة في مواجهة الأجسام المضادة التي تنتجها «الخلايا البائية» المفعّلة في مواجهة الفيروس. إذ تقف الأخيرة عاجزة أمام الفيروسات التي «تتوارى خلف أسوار الخلايا المصابة». وتعمل الأجسام المضادة عبر محاصرة الفايروس ومنعه من الالتصاق بخلايانا والدخول إليها. لكن ماذا عن تلك الأحصنة التي تحوي الجنود المختبئين - الخلايا المصابة سابقاً؟ هنا يأتي دور «الخلايا التائية» التي تتعرّف إلى تلك الخلايا المصابة وتقتلها على الفور، وتقتل معها ما بداخلها من فيروسات «متوارية». هذه «الخلايا التائية»، المنتجة من النخاع العظمي، تشكّل جزءاً أساسياً من جهازنا المناعي.

يركّز العلماء حالياً على لقاحات تفعّل، ليس فقط «الخلايا البائية» المنتجة للأجسام المضادة لفيروس كورونا، وإنما تحفّز أساساً «الخلايا التائية» المساعدة والقاتلة (تنتج اللقاحات الحالية استجابة من الخلايا التائية، لكن بفعالية أقل). ففي دراسة حديثة، نشرت في دورية «نايتشر»، يؤكد العلماء أن هذا النوع من اللقاحات سيكون أكثر فعالية في المستقبل ضد طفرات كورونا المؤدية إلى متحورات جديدة.

المثير في الموضوع هو ما أكده العلماء من أن هذه اللقاحات يمكن أن تنتج مناعة تدوم لفترة أطول من اللقاحات الحالية. الأسبوع الماضي، أعلنت بعض الشركات الرائدة في هذا المجال ومنها «ميديكاغو – جي إس كاي» الكندية، و«غلاكسو سميث كلاين» البريطانية، أنها قد بدأت فعلاً في تجربة عالمية لما وصفته بأنه لقاح قادر على استهداف استجابة «الخلايا التائية» ضد كورونا. وللمفارقه، فهم يزعمون أنه سيكون أوّل لقاح نباتي على الاطلاق.

فالمطوّرون يستعينون بنوع من التبغيات، يستخرج منه جُزيء يُحاكي الفيروس، يدمج مع مادة مساعدة مما يعزّز الاستجابه المناعية. و قد أفادوا أن «التجارب التي شملت 24 ألف بالغ في 6 دول مختلفة، أظهرت معدّل فعالية بلغ 71في المئة، وارتفع إلى 75 في المئة ضد متحور دلتا». ولم تتضمّن الدراسة متحوّر «أوميكرون» الجديد، لكن الآمال معقودة على إمكانية مواجهته أيضاً.

الفيروسات تواصل تطوّرها، ونحن في المقابل نواصل تطوير دفاعاتنا عبر متابعة البحث عن سبل علمية ناجعة لمؤازرة الإمكانات الكامنة و«المثيرة» لجهازنا المناعي.

* أستاذ في الجامعة اللبنانية، منسّق برنامج الماستر في علم المناعة