فرضت أكلاف الإنتاج المرتفعة والمزاحمة الأجنبية التي وصلت ذروتها بعد عام 2008 تضاؤلاً ملحوظاً في حجم قطاع تربية الدواجن في لبنان. فقبل عام 1975، كانت مزارع تربية الدواجن تؤمن حاجة السوق اللبنانية كاملة، وكانت المنتجات اللبنانية تحظى بقدرة تنافسية كبيرة، ولا سيما أن الرسوم الجمركية على الدواجن المستوردة كانت 105%. في عام 1992، قررت الحكومة خفض تلك الرسوم الى 60% لتعود عام 1998 وتقلصها لتناهز 30%. غير ان ما مثّل الضربة الأقوى للقطاع كان عام 2008 حيث خُفضت الرسوم الجمركية الى 20% اضافة الى خفض الحد الأدنى للاستيفاء على الفروج الكامل من 4200 ليرة إلى 100 ليرة، وخفض الحد الأدنى للاستيفاء على قطع الفروج من 9000 ليرة إلى 2000 ليرة. هذا الامر خفض الأكلاف على الفنادق والمطاعم الضخمة التي اعتمدت على الفروج المستورد الرخيص الذي لا يتعدى سعره 4500 ليرة بدلا من الفروج اللبناني الذي جرى تثبيت سعره على 6900 ليرة.
كل هذه العوامل، اضافة الى غياب الدعم الرسمي والأخطار المحيطة بتربية الدواجن، جراء الأمراض التي قد تصيبها وارتفاع اسعار الصوص والعلف وغياب الأسواق الخارجية أدت حكما الى تدهور وضع القطاع الذي يحرك الدورة الاقتصادية وينشّط معامل العلف وصناعة المعدات والأدوية والنشارة وغيرها.
يبلغ عدد العاملين في هذا القطاع ما لا يقل عن 20 ألفاً يعيلون حوالى 50 ألف شخص تقريباً، فيما تقدّر المبالغ الموظّفة حالياً في مختلف نشاطات إنتاج الدواجن بما يراوح بين 600 و700 مليون دولار.
المبالغ الموظّفة حالياً في مختلف نشاطات إنتاج الدواجن بما يراوح بين 600 مليون و700 مليون دولار


الحماية الجمركية ضعيفة

تتمتع المنتجات المستوردة بميزات تنافسية لناحية السعر مكّنتها من مزاحمة الإنتاج المحلي ولا سيما بعد الإنهيارات الإقتصادية التي شهدتها بعض الدول، وأدت إلى انهيار عملاتها، الأمر الذي رفع من حجم الإستيراد على نحو كبير منها. ففي وقت تعاني فيه المنتجات اللبنانية الكساد، تغزو المنتجات المستوردة من البرازيل وأوكرانيا السوق المحلية.
عن هذا الموضوع يقول رئيس النقابة اللبنانية للدواجن موسى فريجي: "حاليا هناك عدد من المزارع المقفلة لان هامش الربحية متدن، اضافة الى استيراد لبنان لحوم الدواجن المجلّدة بحماية جمركية ضعيفة ومصنّعات لحوم الدواجن بـ 5% فقط، الأمر الذي جعل غالبية مطاعم الوجبات السريعة اضافة الى المطاعم والفنادق والمستشفيات ومطابخ المناسبات تستخدم المستورَد من لحوم الدواجن ومصنّعاته. وبالتالي لم يعد باستطاعة المنتجات المحلية منافسة تلك المستوردة".
الى ذلك لجأ التّجّار الى استيراد لحوم الدواجن المجلّدة والمصنّعات من دول عربية كالأردن والإمارات العربية المتحدة على أنّ منشأها عربي بينما في الواقع منشؤها البرازيل وأوكرانيا. اما الوزارات المعنية، فعاجزة عن ضبط هذا الغش بسبب التزام لبنان اتفاقية المنطقة العربية الحرّة والخوف من افتعال مشكلة قد تؤثر في العلاقات التجارية بين لبنان وهذه البلدان".
ويؤكد فريجي "انه يجب على الدولة حماية هذا القطاع جمركياً لنتمكن من الاستعاضة عن النسب المستوردة، التي تصل الى 40% (40 مليون فروج سنويا) ولا سيما ان المزارع قادرة في غضون عامين كحد أقصى على تأمين حاجة السوق المحلية، اضافة الى استقطاب استثمارات جديدة قد تصل الى 200 مليون دولار، ما يؤدي الى خلق فرص عمل جديدة تتخطى 5000 عامل وتشغيل قطاعات رديفة عديدة مكملة لهذا القطاع اذا تحسن الوضع".

فوضى وغش

ما يزيد الأمور سوءا مظاهر الفوضى المنتشرة في السوق، حيث يباع الإنتاج المجلد على أنه طازج، ما يوقع المستهلك في عملية غش كبيرة ويؤدي إلى كساد إنتاج المزارع اللبنانية وخاصة، انه حتى اليوم ما من قانون خاص بالسلامة الغذائية، وبالتالي لا يمكن ضبط آلية الاستيراد وضمان سلامة الدواجن المستوردة من الامراض والبكتيريا مثل السالمونيلا، والإي كولاي وغيرها.
وبحسب امين سر النقابة وليم بطرس "فان لبنان يستورد الدواجن من البرازيل واوكرانيا التي هي في الواقع أقل شأنا منه في هذا المجال، فيما هذه المنتجات محظورة في الدول الاوروبية وفي أميركا. لذا بات من الملحّ اتخاذ إجراءات لمنع الاستيراد من هذين البلدين، اضافة الى زيادة الرسوم الجمركية المعتمدة على لحوم الدواجن المستوردة من 20% إلى 60% مع اعتماد الحد الأدنى للاستيفاء الجمركي إلى 2000 ل.ل. عن كيلوغرام الدجاج المجلّد الكامل، و4000 ل.ل.عن كل كيلوغرام لحوم دواجن ومقطعاتها".

الوزراة

من جهته يشير مدير قسم حماية المستهلك في وزارة الاقتصاد والتجارة طارق يونس "الى ان الوزارة تسعى بكل الامكانات المتاحة الى التأكد من ان المنتجات مطابقة للمواصفات وخالية من البكتيريا، اضافة الى عدم التلاعب بالاسعار. وقد توصلنا منذ فترة الى امكانية تحديد ما اذا كان المنتج مثلجا واعيد تحليله او طازجا، واتخذنا اجراءات بحق المخالفين الذين يبيعون منتجات مثلجة على أساس انها طازجة، من خلال تحرير محاضر بحقهم وارسالها الى الجهات المعنية. أما مسألة رفع الرسوم الجمركية على المنتجات المستوردة، فلا تتعلق بوزارة الاقتصاد وحدها وإنما أيضاً بوزارتي المالية والزراعة".
برغم كل الحملات الرامية الى تحسين السلامة الغذائية، لا تزال النية الجدية والآلية الواضحة للمعالجة مفقودة فيما المتضرر الاكبر يبقى الاقتصاد الوطني وصحة اللبنانيين.