القاهرة | يشي زخم تبادل الزيارات بين المسؤولين المصريين ونظرائهم الأتراك، منذ بداية العام الجاري، باقتراب تدشين «صفحة جديدة» بين القاهرة وأنقرة، ستمثّل باكورة تعاون أوسع خلال الفترة المقبلة، سيتوّج جهود إعادة العلاقات بين البلدين إلى طبيعتها، منذ تبادل السفراء في تموز الماضي. وفي هذا الإطار، من المرتقب أن يزور الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، أنقرة، الأسبوع المقبل، بعد زيارة مماثلة المستوى أجراها نظيره التركي، رجب طيب إردوغان، إلى القاهرة، في شباط الفائت. وفيما كانت الزيارة المزمعة، وهي الأولى من نوعها، مقرّرة في نيسان الماضي، حيث كان السيسي وإردوغان سيترأّسان اجتماع «مجلس التعاون الاستراتيجي الرفيع المستوى» بين البلدين، تعزو مصادر مطّلعة، إرجاءَ خطوة السيسي إلى «مناقشة تفاصيل الاتفاقيات التي سيجري توقيعها»، علماً أنها تستهدف عدة مجالات، يتصدّرها توقيع أول صفقة عسكرية تُبرم مع تركيا منذ سنوات، يحصل الجيش المصري، بموجبها، على مُسيّرات «بيرقدار» التركية.وفي إطار هذه التحضيرات، أجرى رئيس الأركان المصري، الفريق أسامة عسكر، زيارة لأنقرة، اختتمها أمس. وإذ لم يُشِر بيان المتحدث باسم القوات المسلحة المصرية، غريب عبد الحافظ، إلى تفاصيل «صفقة المُسيّرات»، واكتفى بالإشارة إلى أن عسكر «استمع إلى عرض لمجموعة من الشركات المتخصّصة في الصناعات الدفاعية»، أفادت المصادر، «الأخبار»، بأن «عسكر ناقش خلال زيارته التفاصيل النهائية للصفقة»، فضلاً عن «آلية التسليم ومعدلاته وغيرها من الأمور المرتبطة بالإمكانية الفنية والجانب المالي المتصل بسداد ثمن المُسيّرات على دفعات، وبما يتناسب مع إجراءات الدفع التي تقوم بها المؤسسة العسكرية». وأضافت المصادر أن «الاتصالات على المستوى السياسي جارية، في الوقت الراهن، لترتيب الزيارة التي ستمتد على يومين كحدّ أقصى»، علماً أن الاتفاقيات التي سيجري توقيعها خلالها تابع تفاصيلها وزراء عديدون، عبر زيارات متكررة، كان آخرها زيارة وزير الخارجية المصري، سامح شكري، لأنقرة.
والمفارقة، هنا، أن السلطات المصرية التي سبق أن وجّهت انتقادات إلى المُسيّرات التركية واعتبرتها «عديمة الفائدة»، إبان فترة القطيعة الدبلوماسية بين البلدين، تراها، اليوم، ضرورة للمؤسسة العسكرية المصرية الساعية إلى تعزيز مكانتها في مجال الصناعات الدفاعية، ومن أجل استخدامها في سيناء وعلى النقاط الحدودية، علماً أن ضباطاً مصريين بدأوا بالفعل دراسة تفاصيل المُسيّرات والتدرّب عليها افتراضياً، تمهيداً لتدريب فعلي سيتلقّونه من قِبل نظرائهم الأتراك. على أن التقارب المصري - التركي ما كان ليتعمّق، لولا مساعي تركيا لاحتواء «أزمة» وجود قيادات جماعة «الإخوان المسلمين» على أراضيها، والتي كانت أدّت إلى جمود العلاقات بين البلدين لأكثر من عقد. وبحسب مراقبين، باتت هذه القطيعة، من وجهة نظر المسؤولين المصريين، «ماضياً لا يجب التطرق إليه، مع التزام تركيا بتنفيذ جميع ما جرى الاتفاق عليه، سواء بإبعاد البعض خارج أراضيها أو إجبار الموجودين على أراضيها على الصمت ومنحهم الجنسية التركية لحمايتهم قانوناً».
وفي وقت يُتوقع فيه زيادة التبادل التجاري بين البلدين، وسط حلحلة جزء كبير من الخلافات السياسية العالقة، تهدف التحركات المصرية الحالية، بحسب مراقبين، إلى تعزيز التعاون، مع الاتجاه إلى التبادل التجاري بالعملة المحلية، في محاولة لتخفيف الضغوط الاقتصادية على اقتصادَي البلدين. وبخصوص الملف الليبي، ورغم استمرار الخلاف حول الكثير من التفاصيل المتعلقة به، إلا أن ثمة توافقاً على ضرورة إبقاء الوضع في ليبيا على ما هو عليه، من دون تغيير إلا عبر مسار الانتخابات برعاية أممية، كما على عدم توجه أي طرف إلى التصعيد العسكري بما يضمن حالة اللاحرب واللاسلم المستمرة منذ شهور. وفيما تسعى أنقرة إلى لعب دور أكبر في الملف الفلسطيني وخاصة في الرؤية المستقبلية لقطاع غزة، يربط مسؤولون مصريون هذا المسعى «برغبة تركيا في استعادة مكانتها الإقليمية من جانب، وللاستفادة من مشروعات إعادة الإعمار في غزة من جانب آخر»، الأمر الذي تتفهّمه مصر وتسعى أن «يكون التحرك فيه من خلالها وبالتنسيق معها لتجنب تعارض المصالح الذي قد يتسبّب بخسائر للطرفين».