كان لافتاً لمراقبي المشهد السعودي ما انتهت إليه السنة الثقافية 2011. حالة من الانفتاح النسبي عاشته المملكة في الآونة الأخيرة، كاد يرخي بظلاله على المشهد العام لولا... التيار المتشدد! للمرة الأولى في تاريخها، خاضت الأندية الأدبية الانتخابات كفعل ديموقراطي، رغم أنّ نتائجها جاءت مخيّبة لآمال المثقفين بسبب سيطرة تيار سلفي يملك نظرة أحادية للأدب والثقافة.
وجاء قرار إغلاق قرية المفتاحة للفنون الذي بدأ التمهيد له منذ عام 2010 ليزيد قتامة المشهد الثقافي السعودي. منع السلفيون الموسيقى والحفلات في «مسرح المفتاحة» واستبدلوها بمحاضرات دعوية ومسرح موجّه إلى الطفل. وبعد توقف جائزة المفتاحة التي مُنحت لشعراء مهمين مثل محمد الثبيتي وجاسم الصحيح، واقتصار زاوية الفنون التشكيلية على جزء صغير فيها، صار المكان شبه مهجور بعد ابتعاد الفنانين الذين صنعوا شهرته كعبد الناصر غارم وأحمد ماطر، وانكفائهم لمشاريعهم الفردية.
أما «جائزة عكاظ للشعر» ـــــ أهم الجوائز في المملكة ـــــ فقد حُجبت بسبب قصائد وصفتها الجهة المنظمة بأنّها إلحادية، إضافة إلى نصوص وقصائد تناولت الربيع العربي غير المرغوب فيه داخل السعودية.
وعلى صعيد «معرض الكتاب الدولي» في الرياض الذي أصبح في السنوات الأخيرة مسرحاً لمعارضة التيار الليبرالي في السعودية، نشبت فوضى سببها محتسبون متشددون حين هاجموا وزير الإعلام والثقافة عبد العزيز خوجة في وسط المعرض بسبب سماحه بكتب «تحضّ على الإلحاد والجنس»، ما جعل المثقفين السعوديين يطرحون أسئلة شائكة عن قوة هذا التيار وسطوة نفوذه على مفاصل الحياة الثقافية في البلاد بعد هذه الحادثة.
وسجل عام 2011 فقدان أحد أبرز الوجوه الثقافية في المملكة. إنّه الصحافي والباحث عبد الكريم الجهيمان (1914 ـــــ 2011) الذي عمل على تدوين الذاكرة الشعبية، فلقّب بـ«سادن الأساطير والأمثال» من خلال مشروعه الضخم في توثيق الأساطير والحكم الشعبية في الجزيرة العربية التي جمعها في 15 مجلداً طوال 25 عاماً. ولم يعدّل فوز الروائية السعودية رجاء عالم (طوق الحمام) بجائزة «بوكر» العربية مناصفة مع محمد الأشعري من مناخ الكتابة في السعودية. رجاء التي وظفت الحكاية الشعبية والأساطير في عملها الجاد، بقيت تحلّق خارج السرب وسط فورة الإصدارات الرديئة. ويبقى الحراك البسيط الذي شهدته الحياة الثقافية في المملكة سنة 2011 مجرد بقعة ضوء في ظل واقع سعودي راكد لم يتأثر بالربيع العربي الجديد الذي يحيط به.