ارتبط اسم محمد دكروب بـ«الطريق» مثلما ارتبط اسمها به. لم يحدث ذلك بسبب بداهة التلازم الزمني للاسمين منذ منتصف ستينيات القرن الفائت فقط، بل بسبب الثراء والتراكم اللذين صنعهما هذا التلازم بين الطرفين. ترافقت مسؤولية صاحب «جذور السنديانة الحمراء» عن تحرير المجلة مع تتلمذه على موادها، وصداقاته مع كتّابها، وتطوره كناقد ذي نبرة خاصة على صفحاتها. بين كتبه وأوراقه ومواد العدد الجديد، محاطاً بالمجلدات السميكة للأعداد السابقة، يفيض الرجل الثمانيني بحيوية الشباب، وبطموح من هو مقبل على إصدار مجلة جديدة. إنّه الأكثر سعادةً بعودة «رفيقة الدرب» التي أخّرها التمويل عن ملاقاة قراء كثر لا يفتقدونها فقط في لبنان، بل على امتداد العالم العربي. المجلة التي لم تتوقف لأسباب تحريريّة، تعود لملء الشاغر الثقافي والفكري الذي تركته واتسع في غيابها. لقد ساهمت «الطريق» في صياغة وعي أجيال عدّة، وهي مدعوة اليوم إلى تعزيز هذا الوعي من خلال قراءتها للواقع العربي الراهن في غمرة التحوّلات والتساؤلات. يعدنا دكروب بوصل ما انقطعت المجلة عن تغطيته من وجهة نظر يسارية وتنويرية، تتخفف من التنظير لمصلحة حساسية نقدية تطبيقية وملموسة. ولهذا، فإنّ السؤال الأساسي في ملف العدد الأول، سيدور حول أسباب حدوث الثورات الراهنة خارج البيئات الحزبية اليسارية، ومساهمة الأجيال الشابة في اقتراح أشكال نضال جديدة. النظرية حاضرة طبعاً، لكن من أجل معاينة استجابتها للمتغيرات، وقدرتها على تقديم قراءة مستجدة للأحداث.
لا يُخفي صاحب «الأدب الجديد والثورة» حماسته للتغيير. لقد سبق لنبرته النقدية أن ضاقت بالمعايير الخانقة التي كانت النسخة السوفياتية للمنهج الواقعي تفرضها في قراءة النصوص، وها هو يستسيغ فكرة أن شبّان الثورات العربية مزجوا بين خلفيات فكرية مختلفة، يجمع بينها أنها تسعى إلى تعزيز الفردية الثقافية والفكرية، داخل الإطار الاجتماعي الواسع... بل يذهب الى أبعد من ذلك بالقول إنّ هؤلاء الشبان أقرب إلى أفكار الماركسية والتنوير والنهضة التي تبنّتها «الطريق» ورسّختها طوال مسيرتها.
يسخر دكروب من تهمة جدوى إصدار مجلة فصلية في زمن أفول المجلات، وانحسار القراءة، ويُرفق تفاؤله بإصدار أدونيس لمجلة «الآخر» (راجع المقال على يسار الصفحة)، وفواز طرابلسي لمجلة أخرى (ما زالت فكرة جنينيّة ـــــ التحرير). ولكن ألمْ يتعب من حلم مواصلة هذا المشروع؟ «الطريق هي قضيتي»، يقول بسرعة، ويضيف مبتسماً: «إنّها خليتي الحزبية التي فضّلتها على حضور الاجتماعات. المجلة صنعت جزءاً كبيراً وعزيزاً من ثقافتي الشخصية. لولا «الطريق» وقبلها مجلة «الثقافة الوطنية» لكنت محمد دكروب آخر».