دمشق | لا شك في أنّ الكاتب السوري فؤاد حميرة بلغ قمة النجاح عندما قدّم مع رشا شربتجي مسلسل «غزلان في غابة الذئاب» (2006). يومها اقتحم الخطوط الحمر، كاشفاً حجم الفساد الذي يغرق فيه عدد كبير من أبناء المسؤولين السوريين. اليوم، يعود حميرة إلى التعاون مع شربتجي فيقدّمان مسلسلاً جديداً يروي فساد الأنظمة العربية، وسيطرتها على كل مفاصل السلطة. المسلسل يحمل عنوان «حياة مالحة» وهو من إنتاج شركة «كلاكيت». وقد باشرت المخرجة السورية أخيراً تصوير مشاهده.

لكن الشركة المنتجة عادت وارتأت تأجيل التصوير بسبب ارتباط أبطال العمل الأساسيين أي جمال سليمان، وتيم حسن، وقصي خولي بأعمال خارج سوريا. يروي المسلسل قصة أحد كبار المسؤولين الفاسدين ويدعى أبو جرير (جمال سليمان). يكتشف هذا الأخير فجأة أنه مصاب بفيروس الإيدز، فتبدأ محاولاته الدؤوبة لطمس الحقيقة، والاستفادة من كل يوم يعيشه. هكذا يقرر مع شقيق زوجته، التخلّص من هذه الأخيرة لأنها تحمل الفيروس نفسه، وبإمكانها أن تفضحه. ثمّ يفاوض سائقه وزوج ابنته ليساعده في التخلّص من زوجته الثانية... الحامل.
وفي وقت تتطوّر فيه هذه الأحداث، يكتشف جرير (تيم حسن) هذا السرّ، ونراه يتخلّص من صورته المثالية، كرجل إعلام وثقافة، ليكشف عن أنيابه، ويبدأ عملية القمع والبطش للتخلّص من زوجة أبيه الثانية، لأن جنينها إن وُلِد سيكون شريكاً في إرث أبيه الأسطوري.

هكذا تسير الأحداث وفق تشعبات عدة وتكشف الخطوط الدرامية المختلفة عن الشخصيات المعقدة، وعن الصدام الحتمي بين السلطة والشعب الفقير الأعزل. كما يضيء المسلسل بصراحة على رضوخ المواطنين في أحيان كثيرة لرغبات السلطة، وغض النظر عن كل الجرائم والسرقات التي ترتكب في الدوائر الرسمية خوفاً من الانتقام.
في حديثها مع «الأخبار»، تشرح رشا شربتجي قصة العمل «محور المسلسل هو الخوف من معرفة الحقيقة، فنتابع حكاية شخصيات كتبها فؤاد حميرة بذكاء وجرأة»، معلنةً أن هناك «تقاطعاً مع شخصيات أخرى» كتبها حميرة في السابق «من حيث الجرأة، لكن من دون أي تشابه في الأحداث أو التصاعد الدرامي». وتلفت إلى أن النص «يحرّض مخيّلة المخرج ولا يحتوي على أي مشاهد أو جمل مجانية تدخل في صلب العمل من أجل تطويله للوصول إلى ثلاثين حلقة». وبرأي المخرجة السورية، فإن هذه الأسباب هي التي تدفعها إلى تبنّي أي نصّ، مضيفةً إنها لا تلجأ إلى تعديل السيناريو بنفسها كما يفعل أغلب المخرجين. بل تضع ملاحظاتها لتناقشها مع الكاتب. كذلك توضح أن هناك ممثلين يطلبون من الكاتب تطويل أدوارهم، كما يدوّنون بعض الملاحظات التي يؤخذ بها إذا كانت منطقية.
إذاً، تجدد هذه المخرجة تجربتها في الإضاءة على الواقع السوري المرير، من خلال عمل يبدو واضحاً أنه قصة اجتماعية تكثِّف جرعات الميلودراما والمأساة، وتتغلغل في واقع العشوائيات وتفاصيلها. ولكن، ماذا عن رغبة الجمهور في مشاهدة أعمال كوميدية تنسيه همومه السياسية والاجتماعية؟ يبدو أن شربتجي التي أخرجت أيضاً هذا العام «الولادة من الخاصرة»، تكرر التجربة نفسها مع «حياة مالحة». تقول: «أخرجت في مصر مسلسلين من هذا النوع الدرامي هما «أولاد الليل»، و«شرف فتح الباب» وحققا نجاحاً لا بأس به... لكن النجاح الكبير كان من نصيب المسلسل الكوميدي «ابن الأرندلي».

وهو أمر منطقي إذا نظرنا إلى مشاكل المواطن العربي... لكنّ هناك نصوصاً تلامس الواقع بطريقة حقيقية ومثيرة لا يمكن تجاهلها، وخصوصاً «أننا نعيش في مدينة يلفها حزام من الفقر وأصبح نصف سكانها يسكنون العشوائيات». أما بالنسبة إلى الكوميديا فتضيف: «أرغب دائماً في تقديم دراما خفيفة (ايت) تحترم عقل المشاهد... لكن المشكلة أنني نادراً ما أجد النص المناسب».
وهنا لا بد من الإشارة إلى أن فؤاد حميرة عدّل نص «حياة مالحة» تماشياً مع «الربيع العربي»، وما يحدث في سوريا حالياً، فهل سيسلط المسلسل الضوء على أحداث حقيقية حصلت ويسمّي أشخاصاً بأسمائهم؟ تجيب المخرجة السورية بصراحة: «قرأت النص قبل رمضان الماضي، وبعد فترة جرى تعديل مجرياته ضمن السياق نفسه، وبعد ثورتي تونس ومصر أضيفت بعض المشاهد... إضافة إلى إدخال صوت الشيخ إمام كخلفية لبعض المشاهد بطريقة جديدة ومتقنة ومؤثرة».
أخيراً، تؤكد المخرجة الإشكالية أنها باتت تعرف كيف تتعامل مع الرقيبَين الرسمي والاجتماعي، فترجح مرور عملها على هذين الرقيبَين من دون وقوع أي صدام. موعدنا إذاً في رمضان 2012 مع «حياة مالحة» الذي اشترته إحدى المحطات قبل البدء بتصويره. وهو من بطولة جمال سليمان، وسمر سامي، وتيم حسن، وقصي خولي، وأحمد الأحمد، وضحى الدبس...



«شوكولا» وأعمال أخرى

تسافر المخرجة السورية رشا شربتجي بداية الشهر المقبل إلى مصر للمرة الأولى بعد سقوط نظام حسني مبارك، لقضاء إجازة مع والدتها. كما أنها ستطّلع على نص مسلسل كوميدي يكتبه وليد يوسف ينتقد الأوضاع الاجتماعية والسياسية بطريقة ساخرة. وستبدأ شربتجي تصوير المسلسل فور الانتهاء من كتابته ليكون تجربة جديدة لها في القاهرة. كما أنها ستنكبّ على إنجاز المسلسل الاجتماعي «شوكولا» الذي كتبه مازن طه ونور الشيشكلي لاحقاً. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن المخرجة السورية كانت تنوي إنجاز «شوكولا» قبل «حياة مالحة»، لكن تسويق هذا الأخير لإحدى القنوات الفضائية قلب جدول أعمالها.