تحت عنوان «توتياء، أسلاك شائكة، وحرية» يُفاجئنا عبد الرحمن قطناني (1983) بمعرض يضم عشرة أعمال يصعب تصنيفها بدقة. مكوناتها المعدنية تخلخل علاقتنا البديهية بفن اللوحة، وتصنع لها نسباً أوضح داخل فنون النحت والتجهيز والمنتجات الحرفية. لا يجد زائر «غاليري أجيال» ألواناً مسكوبة على قماش، ولا إطارات... لكنّه لا يتأخر في التقاط الممارسة الفنية التي تقف خلف إنجاز هذه الأعمال المصنوعة من مفردات العنوان نفسه. فهي منفّذة بألواح توتياء، مقصوصة على هيئة أطفال يمارسون ألعاباً مختلفة، بينما تحيط بهم أسلاك شائكة تحول بينهم وبين حريتهم. إنّهم أطفال فلسطينيون محكومون بالعيش في المخيمات التي يكاد لا يخلو بيت فيها من لوح توتياء، يغطي سقفاً، أو يرمم باباً...
الرسام الفلسطيني الذي بدأت موهبته برسم الكاريكاتور والغرافيتي على جدران مخيم صبرا، وأقام معارض تستثمر الحياة اليومية في المخيمات الفلسطينية، ينتقل في معرضه الحالي إلى مستوى آخر أقل خطابيةً ومباشرةً من معارضه السابقة. لقد سبق لقطناني أن عالج مكونات قمامية، وأدوات منزلية مستهلكة، وأنجز كولاجات مباغتة بإلصاق ملابس بالية مع مخلّفات معدنية وخشبية.
النقلة المنجزة في المعرض تجري داخل التراجيديا الفلسطينية نفسها. الفارق الوحيد أنّه يستخدم هنا ألواح توتياء غير مستعملة. هناك «نظافة» ما (قد) تتعارض مع الترجمات الواقعية التي تقترحها هذه الأعمال، لكنّ هذا الانطباع يتوارى سريعاً خلف الطاقة الرمزية الهائلة المدسوسة فيها. كأنّ الرسام يمنح واقعيته السابقة شيئاً من الشعر الذي تتجاور الكلمات فيه، بهدف ابتكار الاستعارات والصور. لم تعد الأعمال الجديدة تكتفي بكونها شهادة على حياة المخيمات، بل تسعى إلى نوع من الخلود والديمومة. يتجلَّى ذلك في جعل الأسلاك الشائكة جزءاً من الألعاب التي يمارسها الأطفال في أعماله.
نرى فتاة تنطّ بسلك شائك بدل الحبل، وأخرى تطيّر بالونات معدنية موصولة بسلك شائك. ونرى صبياً يقود درجة هوائية مقيدة بأسلاك. المعرض، بهذا المعنى، مدينٌ لأفكار أكثر تفلسفاً مما نراه. إنّه إعلان عن التزام وطني وفني... لكنّ ذلك لا يوقف تدفّق معانٍ مدهشة من ارتطام قسوة الشتات الفلسطيني بالقسوة المعدنية للتوتياء.



«توتياء، أسلاك شائكة، وحرية»: حتى 25 حزيران (يونيو) الحالي ــــ «غاليري أجيال» (الحمرا/ بيروت).ــــــ 01/345213