تحلّ المغنية الأميركية تشاينا موزس (1978) مساء غدٍ ضيفة على «ميوزكهول» لتقديم أمسية وحيدة. معها يعود «ليبان جاز» إلى دوره كمهرجان متخصّص في الجاز ومحيطه القريب. هذه المرّة اعتمد المنظّمون لعبة الجيّد ولو مغموراً، بعدما راهنوا في محطات سابقة على المشهور الباهت، أو البعيد عن الجاز أو الاثنين معاً. خلال القرن الماضي، برز العديد من المغنيات في عالم البلوز والجاز المغنّى.
ولمعت في هذا السياق بضعة أسماء فوق العادة، أي تلك التي تُكرّم بين حين وآخر من خلال تحية مسجّلة بأصوات راهنة، تستعيد الكلاسيكيات التي عُرفْنَ بها في حياتهنّ. من أبرز تلك الفنّانات: إيلّا فيتزجيرالد، وساره فون، وبيلي هوليداي، ودَينا واشنطن...
وليلة الغد، يدعو «ليبان جاز» محبّي الجاز والبلوز عموماً، وعشاق دَينا واشنطن (1924 ـــــ 1963) على وجه الخصوص، إلى أمسية من هذا النوع، في تحية توجّهها المغنية الشابة تشاينا موزس إلى الديفا الراحلة.
تشاينا موزس؟ بعضنا يعرف هذه الفنانة الشابة كمُعِدّة برامج في محطة MTV الأجنبية المتخصِّصة في التيارات الغنائية المعاصرة، لكن جمهور الجاز يعرف بالتأكيد والدتها المغنية الشهيرة دي دي بريدجووتر. المهتمون بالراب أو الروك أيضاً، ربّما سمعوا بنشاطها الهامشي في هذا السياق، إلّا أن موزس غيرت وجهة اهتمامها، وشهرَت عشقها للجاز والبلوز عام 2009، عندما أصدرت ألبومها المهدى إلى دَينا واشنطن وحمل عنوان This One’s For Dinah.
في هذا العمل، لم تؤدِّ الفنانة الشابة كلاسيكيات من الريبرتوار القديم فحسب، بل أضافت أغنية بعنوان Dinah’s Blues وشبه أغنية بعنوان Gardenias For Dinah (نص محكي مع مرافقة للبيانو) تتناول فيهما مغنيتها الأسطورة على نحو مباشر، كأنّها تحرص على ألا يبقى لبسٌ في التحية. تعاونت موزس في هذا العمل مع عازف البيانو والموزّع الموسيقي الفرنسي رفاييل لومونييه، الذي أعدّ الباقة المختارة بأسلوب كلاسيكي أنيق، وشارك عزفاً، إلى جانب فرقة متوسطة الحجم وكلاسيكية الشكل أيضاً (كونترباص ودرامز وآلات نفخ نحاسية وخشبية). يقسم الألبوم إلى جاز وبلوز وخليط بينهما، وفيه فواصل مرتجلة، منها غاية في الجمال (وخصوصاً من الساكسوفون والترومبت)، ومنها déjà vu، ومنها عاديّة أو حتى ركيكة، رغم مستوى التنفيذ الدقيق والمهني من جانب الموسيقيين جميعاً.
صوت تشاينا موزس، بنبرته ورنّته وتهذيبه، لا يفوق جمال صوت والدتها، لكن طاقتها وأداءها الشغوف يعيدان التوزان. تحترف تشاينا التلوين الجازيّ والبلوزيّ في إعادة صياغة اللحن الأساسي من دون المسّ بفرادته. غير أنها لا تلجأ إلى الارتجال الصوتي، كفاصل مستقل عن الأغنية. تقلّد بحدود ـــــ ومن دون إزعاج ـــــ الخفة في الغناء، والأداء اللعوب على طريقة دينا. يطاول صوتها الوجدان سريعاً، لكنّه قلّما يصل إلى الأعماق، مثلما تفعل «شريرات» الغناء في عالم الجاز. في البلوز والجاز والمغنّى، يقطع أصحاب البشرة السوداء نصف الطريق دفعة واحدة (ما لا تستطيع تعويضه ديانا كرال مثلاً).
لكنّ ذلك يعمل كسيفٍ ذي حدّين، إذ يحتاج الفنان إلى ميزة استثنائية للظهور في هذه الفئة، إذا جاز التعبير، يمكن تلخيص الأمر بأنّ موزس تبقى دائماً على الحافة... على حافة الامتياز طبعاً، لا حافة السقوط.
سنسمعها في الغد تؤدي كلاسيكيات أحبّتها دينا واشنطن، واستعادها عشرات المغنّين على مدى عقود، من بينها ما صنع مجد الأخيرة أواخر خمسينيات القرن الماضي، مثل Cry Me a River وWhat a Difference a Day Makes. وعلى الأرجح، ستُختصَر الفرقة بالنواة الأساسية (بيانو، درامز وكونترباص) ما سيؤدي إلى خسارة طفيفة مقارنةً بالألبوم المسجَّل، لكن قد يعوِّضها سحرُ الأداء الحيّ.
قبل سنوات قليلة، كان من المفترض أن تزور دي دي بريدجووتر لبنان بدعوة من «ليبان جاز»، إلّا أن الظروف الأمنية الاستثنائية حالت دون ذلك، ولم تتجدّد الدعوة... فإذا بابنتها تنوب عنها غداً، لكن ثمة أسماء كثيرة يمكن المهرجان المذكور (أو مهرجانات الصيف في المواسم المقبلة) اختيارها على الأساس الصحيح، أي تلك التي تندرج في خانة الجاز وتتمتع بالكفاءة الفنية، بغض النظر عن الشهرة (المكلفة غالباً والمبالغ فيها أحياناً). في هذا السياق يمكن تزكية اسم المجنونة والمذهلة... راشيل فيريل.



«تشاينا موزس: تحية إلى دَينا واشنطن»: 9:00 ليل غد الأحد ـــــ «ميوزكهول» (ستاركو/ وسط بيروت). للاستعلام: 01/999666