رام الله المحتلّة | عاد «مهرجان رام الله للرقص المعاصر» ليثبت موقعه على روزنامة الثقافة الفلسطينية. في دورته السادسة، يحمل المهرجان عروضاً لـ15 فرقة عالمية، ستحتضنها مسارح القدس، رام الله، وبيت لحم. ورغم تناقل بعض مواقع الإنترنت أخبار هجوم طاول القائمين على التظاهرة، بحجة أنّهم «دخلاء على المجتمع الفلسطيني المحافظ»، لم يتأخّر المهرجان هذا العام في إعلان نفسه «وجهاً من أوجه إرادة الحياة».حمل عرض الافتتاح بصمة عربيّة. شاهد جمهور «قصر رام الله الثقافي» 12 راقصاً يؤدّون عرض «الدين: دَين النهار لليل»، للمصمم الفرنسي الجزائري هيرفي كوبي. العرض بحسب كوبي محاولة لـ«بث الحياة في أحلام الأطفال المولودين في فرنسا، ولم يتمكنوا من اكتشاف أصولهم إلّا في زمن متأخر».
تزامن الافتتاح في رام الله مع افتتاح «مهرجان بيروت للرقص المعاصر»، وتبعهما مهرجان عمّان مساء أول من أمس. تقدّم الفرق المشاركة في التظاهرات الثلاث عروضها، بدعوة من «شبكة مساحات للرقص المعاصر»، بأقطابها الأربعة: مسرح «مقامات» البيروتي، و«المركز الوطني للثقافة والفنون الأدائية» في الأردن، و«سرية رام الله الأولى»، إضافةً إلى «تجمّع تنوين للرقص المسرحي»، في دمشق، الغائب للأسف هذا العام، بعد اشتعال الساحة الداخلية السورية.
من قصيدة محمود درويش «ذاكرة النسيان» تستلهم فرقة «شطحة» بقيادة المصممة الجزائرية عايشة مبارك ورفيقها في التصميم والإخراج حافظ ضوّ عرضهما «قهوة»، مساء اليوم. ستمتلئ خشبة المسرح هنا بفناجين قهوة؛ «لأن القهوة هي القراءة العلنية لكتاب النفس المفتوح». من جهتهما، يستكشف الكنديان سوزانا ميلر وآلان بافيو نشوة القفز والتحليق وتحدي جاذبية الأرض في عرض «فوق تحت» (20 و21 و27/ 4). تنشئ الفرقة مسرحاً متكاملاً من مشاهد الرقص المنوَّم، مع مشاهد طبيعية، سمعية، كهربائية.
وتحمل الفرقة البرتغالية «توك آرت» ثلاثة من عروضها «بحيرة»، و«حليب»، و«أنجز في الوقت المحدد» (21/ 4) إلى الجمهور الفلسطيني، فيما تحوّل فرقة «تشانكي موف» الأوسترالية (25/ 4) الرقص من شكله الإنساني، إلى أشكال غريبة، بواسطة تقنيات الفيديو والإحداثيات الرقمية التفاعلية في عرضها «وهج»... فرقة لينغا السويسرية تقدم عرضها Falling grace (26/ 4)، وفيه محاولة للتعمق في مفهوم التوازن والاستقرار كأسطورة مؤسسة لعالمنا الحاضر. ومن فرنسا، تحضر فرقة «بوكيمون كرو» بعرضها «النفس الثاني» (28 و30/4)، حيث يتقاطع الهيب هوب والرقص المعاصر، لتجسيد تأثير وجود امرأة في مجموعة من الذكور. ومن النرويج، تقدم فرقة «بانتا ري للمسرح الراقص» عملين في أداء حركي من جزءين: «نحن قصص» و«طقوس خاصة» (4/ 5). وتشارك الفرقة الإسبانية «ناتس نوس دانسا» بـ«خرائط» (30/ 4)، ويدور العرض حول أربع شخصيات تتوقف أثناء رحلة لها، لتشارك الجمهور خبراتٍ وأحاسيس جمعتها أثناء سفرها الطويل. «فرقة الفنون الشعبيّة الفلسطينية» تتعاون مع المصممة اليابانية يوشيكو تشوما، في عرض «6 ثوان في رام الله» (27/ 4)، وهو تشكيل جسدي أصيل ومتعدِّد الوسائط، أنتج في فلسطين. يبحث العمل عن مفردات الحركة والهوية، مع طرح وجهة نظر جديدة للدبكة الشعبية. الفرقة المغربية «أنانيا» لمؤسسها توفيق عز الدين، تحمل أيضاً فيض أسئلة عن الهوية والذات والعالم والمضطرب، في عرض بعنوان «ألف» (28/ 4 و1/ 5). أمّا «سرية رام الله» فتقدّم عرض «سندويشة لبنة» (2/ 5) في عرض ينتظر ثلج الميلاد، والمساعدات الدولية. من العروض المحليّة الفلسطينية أيضاً، يشارك «مسرح اللاز» في عكا بعمل «الآن هنا» (3/ 5) الذي يقوم على الرقص والشعر وفن الفيديو والموسيقى، لإظهار العلاقات بين الروح والجسد والحركة. ولليلة الاختتام حجز جمهور رام الله مقاعده لعرض «الطريق العمودية» (5/ 5)، أحدث إبداعات الكوريغراف البريطاني (البنغالي الأصل) أكرم خان. العمل رحلة صوفية تبحث عن معنى الوجود، تستوحي قصائد جلال الدين الرومي.
«مهرجان رام الله للرقص المعاصر» هو إذاً محاولة لفتح الذائقة المحلية المحاصرة، على لغات حركيّة مغايرة، تقطع مع المرجع المتعارف عليه هنا، أكان غربياً (الباليه، الرقص الحديث...)، أم محليّاً (الفولكلور على أشكاله). تتوجّه تلك التجارب إلى جمهور يريد له المنظمون أن يتسع ويتنوّع... فالرقص لغة كونيّة في النهاية، وإدارة مهرجان رام الله تجهد منذ سنوات لنزع «تهمة» النخبوية عنه، وخصوصاً حين يكون معاصراً وفي فلسطين.

«مهرجان رام الله للرقص المعاصر»: حتى 5 أيار (مايو) المقبل ــــ القدس، رام الله، بيت لحم. http://sareyyet.ps/festival11



الفنّ انحياز

يزدحم جدول «مهرجان رام الله للرقص المعاصر» بالعروض، وعلى هامشها تسع ورش تدريبية لتبادل الخبرات بين الفرق المشاركة. على هامش البرنامج أيضاً دورة عن الرقص عبر الفيديو، وتقنيات أفلام الرقص، في محاولة لاستكشاف دور الفيديو في إغناء الرقص وتوسيع دائرة المشاهدين. يأمل المشاركون في هذه الدورة تطبيق التقنيات الجديدة لأول مرة في فلسطين، وإنتاج مواد سينمائية تحقق لهم انطلاقاً إلى فضاء الإنترنت الرحب.
وينظم المهرجان «مؤتمر الرقص والمجتمع»، بمشاركة دولية وعربية، للنقاش في علاقة الرقص بالتغيير الاجتماعي. هذا ما «تفرضه الثورات العربية، للتأكيد أنّ الفن ليس حيادياً، ولا رديفاً للتسلية، ولا معيار اغتناء في عالم السادة والعبيد، بل هو انحياز ـــــ بفعل جماليته ـــــ للحرية والعدالة»، كما أخبرنا مدير المهرجان خالد عليان.