حاول نظام حسني مبارك أمس التحكّم في وسائل التواصل، عصب الثورة: قطع جميع خطوط الهاتف الخلوي، وحجب خدمات الإنترنت، ومنع وسائل الإعلام من تصوير حقيقة ما يجري في الشارع، لكن «أهم ثورات العالم نحجت من دون وسائل اتصال» كتب قسم كبير من المصريين على مواقعهم الشخصية، وعلى «تويتر» الذي ظلّ الوصول إليه متاحاً في بعض الأحيان.
لا شيء يوقف الشارع المصري. لا التضييق الإعلامي، ولا القنابل المسيّلة للدموع، ولا حتى الرصاص الحي. هذا ما بدا واضحاً في الصور التي تمكّنت الفضائيات العربية من نقلها. صورٌ بدت منذ الصباح الباكر باهتة وفقيرة، بسبب منع مصوّري الفضائيات من النزول إلى الشارع وتصوير الاحتجاجات الشعبية. ومع ارتفاع وتيرة المواجهات عقب انتهاء صلاة الجمعة، ازداد التضييق، وباتت الصور والمشاهد التي تصلنا من شوارع القاهرة، والمنيا، والمنصورة، والسويس... شبه معدومة، فأعادت الفضائيات بثّ لقطات كانت قد التُقطت مساء أول من أمس، أو صباح أمس. ولعلّ المشهد الذي صوّرته وكالة «رويترز»، وبثته «الجزيرة» بطريقة متواصلة طوال نهار الأمس، كان الأكثر تعبيراً عن وحشية رجال الأمن: متظاهر أعزل من بدو سيناء يقف في مواجهة العشرات من رجال الأمن، فيطلقون عليه الرصاص الحي، قبل أن يسقط أرضاً. وسرعان ما يقترب منه رفاقه في محاولة لإنقاذه، لكننا نراه على الشاشة يلفظ أنفاسه. الجريمة نفسها تفادت قناة «العربية» عرضها كاملةً يوم أمس، فلم نشاهد سوى رجال الأمن يطلقون النار على الشاب الأعزل.
وقد تكون المقارنة بين أداء «الجزيرة»، و«العربية» في تغطية «جمعة الغضب» ضرورية. رغم غياب الصور المباشرة، وقطع الخطوط الأرضية في مكتبها، بقيت الفضائية القطرية تنقل الأحداث نقلاً متواصلاً، من خلال اتصالات مع مراسليها، ومع صحافيين وسياسيين مصريين. كما حرص مدير مكتبها في القاهرة عبد الفتاح فايد على وصف أدقّ التفاصيل التي تمكّن المراسلون من جمعها في الميدان، تعويضاً عن غياب الصورة المباشرة. هكذا أطلّ برسائل عاجلة ليؤكّد معلومات من نوع: «شاهدنا بأنفسنا سقوط قتيلة في المواجهات». ثم لا يتردّد في تزويد المتظاهرين بجرعات إضافية من الدعم قائلاً «الشباب يبدون شجاعة فائقة في مواجه الأمن». أو يحذّرهم من «الشرطة السرية المنتشرة في الشوارع».
أما القناة السعودية، ففضّلت تخصيص مساحة واسعة لتحليلات وأخبار مديرة مكتبها في القاهرة رندة أبو العزم. وبدت مصادر هذه الأخيرة غير موثوق بها أو غير مؤكّدة، فقالت أكثر من مرة: «سمعنا أخباراً عن بعض العنف ربما من جانب قوات الأمن ضدّ المتظاهرين». ثمّ زوّدت أبو العزم محطتها بخبر عاجل عن أن «بعض المتظاهرين يقذفون رجال الأمن بالحجارة». وبين تعليق وآخر، كان المذيع الموجود داخل الاستديو يحاول التركيز على الخلفيات السياسية للمتظاهرين، فيسألها «هل اختيار يوم الجمعة للتظاهر هو إشارة إلى أن حزباً سياسياً معيّناً يقود هذه الاحتجاجات؟» في إشارة طبعاً إلى «فزّاعة» «الإخوان المسلمين» التي لم ينفكّ النظام يروّج لها منذ الثلاثاء الماضي.
لكن قد يكون القاسم المشترك الوحيد بين الفضائيتين هو تعرّض فريقَي عملهما للاعتداءات. هكذا أعلنت «العربية» تعرّض طاقمها للضرب قرب مسجد الفتح في وسط القاهرة، «وجرى تخريب الشرائط والمعدات». أمّا «الجزيرة»، فأشارت إلى الاعتداء بالضرب المبرّح على مذيعها الشهير أحمد منصور، ليتبيّن لاحقاً أنّ الأمن اعتقل صاحب برنامج «شاهد على العصر» قبل إطلاق سراحه من جديد، لنسمعه يدلي بشهادته مباشرةً على الهواء عن «الشرطة التي تقتل المدنيين في الطرقات». كذلك أعلن مدير مكتب القناة القطرية عبد الفتاح فايد فقدان الاتصال بمصوّر المحطة محمود العشري «ولا أحد يعرف مكانه الآن». ولم تتمكّن إدارة المحطة من معاودة الاتصال بمصوّرها المفقود إلّا عند الساعة السادسة مساءً ليتّضح أنه كان مصاباً.
كما منع مراسل الفضائية في الأردن ياسر أبو هلالة من دخول مصر، وأُوقف في مطار القاهرة... ولم تسلم «الجزيرة مباشر» من الإجراءات التعسفية، فقطع بثّها على القمر الصناعي المصري «نايل سات».
يبقى أن بطش الأمن المركزي الذي طاول شباب مصر الغاضب، لم ينجُ منه أهل الصحافة والإعلام... مراسل قناة «بي بي سي عربي» في القاهرة أسد الله الصاوي نال نصيبه من العنف الدامي، لكنّ الصحافي المصري أطلّ مجدداً على الهواء وهو مضمّد الرأس، وقميصه ملوّث بالدماء، ليؤكّد أنّ «الشرطة تعمّدت استهداف الإعلاميين». وفي السياق نفسه، أعلنت وزارة الخارجية الفرنسية احتجاز أربعة مراسلين فرنسيين في العاصمة المصرية، وهم كارين لاغون من «جورنال دو ديمانش»، وأدريان جولم من«لو فيغارو»، وألبير فاسيلي من وكالة «سيبا» للتصوير، ومراسل مجلة «باري ماتش». وطبعاً أُفرج عن الفرنسيين الأربعة، بعد اعتقالهم لساعات.