ينطلق الفيلم الصيني «أزهار الحرب» (2011) من كونه مشروعاً طموحاً لمخرجه زانغ ييمو، أحد أبرز وجوه سينمائيي الجيل الخامس في بلده. تدور أحداث الشريط أثناء الحرب اليابانية ــ الصينية الثانية (1937 ـــ 1945)، وتحديداً في مدينة نانجينغ، العاصمة السابقة للجمهورية الصينية. في ذلك الوقت، احتلت القوات الامبراطورية اليابانية المدينة، في ما عرف بـ«اغتصاب نانجينغ»، حيث وقعت المذابح بحق آلاف السكان. يحاول صاحب «منزل الخناجر الطائرة» تقديم رؤيته السينمائية لتلك الفترة، وهي رؤية مختلفة عما تم تقديمه قبلاً.
يبتكر شخصية أجنبية متخيّلة (كريستيان بيل) ويوكل إليها مهمّة مساعدة عدد من الفتيات والمومسات وسط هذا الدمار. الفيلم طَموحٌ بالتأكيد، مع الأخذ في الاعتبار ميزانيته الضخمة (نحو 90 مليون دولار) الأعلى في تاريخ صناعة السينما الصينية... لكن هذا لم يكن كافياً ليخرج صاحب «قصة كيو جو» بعمل متماسك.
في الشريط المقتبس عن رواية «أزهار نانجينغ الـ13» للكاتبة جيلينغ يان، سنتابع جون ميلر (كريستيان بيل)، متعهد دفن الموتى الأميركي، وهو في طريقه إلى أحد الأديرة الكاثوليكية المخصصة للفتيات في نانجينغ لدفن قسيس الكنيسة الأجنبي. في هذا الوقت، تبدو المدينة مدمرة وملأى بالجثث، نتيجة القصف الياباني، بينما يبقى الدير محمياً باعتباره مكاناً أجنبياً وفقاً للاتفاق مع القوات اليابانية.
في بداية الشريط، يجد ميلر طريقه إلى الكنيسة وسط الدمار، ليتعرف هناك إلى الفتيات الصينيات، والصبي جورج تشين أحد مساعدي القس الراحل الذي اختفت جثته نتيجة انفجار. هنا سيتعرف الجمهور إلى شخصية ميلر البغيضة الذي يصرّ على تقاضي أجره رغم عدم وجود جثة، ويصر أيضاً على المبيت في الدير ليستهلك نبيذه المخبأ! بعد ذلك، سنشاهد مجموعة من مومسات المدينة وهنّ في طريقهن إلى الدير محاولات الهرب من رحى الحرب. ينجحن في التسلل إلى الداخل ليعشن في الدور السفلي، وهو ما رفضه جورج ووافق عليه ميلر. يتعرض الأخير للضغوط من الفتيات والمومسات اللواتي يطلبن مساعدته لإخراجهنّ من نانجينغ. سيرضخ أخيراً أمام توسلهن، لتبدأ شخصيته بالتحول، إلى أن يدّعي أنه قسيس أمام الجنود اليابانيين الذين يحمون الدير!
نحن هنا أمام دراما حرب تاريخية بامتياز مع الصفات المطلوبة والمتوقعة في شخصيات العمل مثل الشجاعة والتضحية والشرف. تتضح أحداث الفيلم مبكراً رغم تطور الأحداث السريع، وبإمكان المتابع تخيّل تطور شخصية جون ميلر من انتهازيتها اللامبالية إلى تحمّل المسؤولية. وهنا يكمن السؤال: لماذا الاعتماد على عنصر أجنبي ترتكز عليه قصة الفيلم؟ زانغ كان قد ذكر أنّ شخصية ميلر مثّلت أكبر تحدّ له، وهو ما لم يحصل قبلاً في السينما الصينية، أي أن تنقذ شخصية أجنبية الصينيين. مع ذلك، لا يسع المرء إلا أن يتذكر سينما هوليوود، حيث منقذ البشرية هو دائماً أميركي. الجهد الإخراجي الذي بذله زانغ جيد تمثّل في المشاهد الحربية القوية، والأداء الجيد لطاقم التمثيل (باستثناء بيل) والألوان التي تملأ الفيلم وسط رمادية الدمار والركام. لكن يبقى هناك نوع من الخلل في الشريط، إذ يبدو أشبه بمجموعة من قطع جيدة تم ترقيعها لتصل إلى شكلها النهائي... مشوهةً. ليس ثمة توازن بين المشاهد الحربية والدراما الإنسانية، ولا بين الحوارات السيئة والقوية. يحاول المخرج بعث التفاؤل وسط الكارثة عبر تسليط عدسته على الناس في مواقفهم الصعبة، لكنه لم يكن موفقاً.

The Flowers of War: «بلانيت سان إيلي» (بيروت، أنطلياس) ـــ
للاستعلام: 04/418835