«مين ده؟»، كان الشباب يسألون عن الرجل الذي يتجمعون حوله في الأيام الأولى من اعتصامات «ميدان التحرير». لن تأتيهم الإجابة، فأحمد إسماعيل السيد الذي كان يحتضن عُودَه ويعزف وسط هؤلاء، زاهد عن الإعلام، ونادراً ما يظهر على الشاشة الصغيرة في برنامج أو فيديو كليب. لكنّ ثوار ميدان التحرير عرفوا الملحّن والمغني المصري، وحفظوا تقاسيمه وأنغامه سريعاً، وراحوا يرددون وراءه: «يا شعب يا معلّم، يا صابر اتكلم/ قول ع الهرم مواويل، يا شعب يا قوّيل/ خلي الزمان يحكي، ع الشاكي والمشكي/ الله يا شعب الله، يا شعب دينه حياه/ ياشعبنا ماشيين، والركّ ع الجايين/ هيكملوا المشوار، وهيثأروا للتار/ الألف بعد الألف، والصف بعد الصف، وكل روح على كف، فداك فداك يابلادي».
هذه الكلمات التي كتبها الشاعر الراحل نجيب سرور مبشّراً بالثورة قبل أكثر من أربعة عقود، لحّنها إسماعيل ضمن مجموعة من الأغنيات في تجربة مسرحية جامعية. ومنذ ذلك الحين، وإسماعيل يردد «يا شعب يا معلّم» في كل المناسبات السياسية، إلى أن جاءت مناسبتها الحقيقية، ليغنيها في ميدان التحرير خلال الأيام الـ18 التي أسقط المتظاهرون فيها الرئيس المحكوم بالسجن المؤبد حسني مبارك.
«اخترت الطريق الصعب، لكنه الصحيح بالتأكيد» يقول إسماعيل عن تجربته الفنية التي بدأت قبل ثلاثة عقود.
يؤمن ابن محافظة الجيزة بأن الفن سلاح للمقاومة والنضال. هكذا، سنراه يعزف ويغني في الاحتجاجات العمالية، والمؤتمرات السياسية، والحفلات الحزبية، والفعاليات الجامعية. يصر أحمد اسماعيل على سحب صفة الفن من الموجة الغنائية المسيطرة على الساحة اليوم «لأن غالبية ما نراه ونسمعه على الفضائيات، يفسد الذوق، ويشوّه رسالة ثقافتنا ومضمونها» يقول لـ«الأخبار». ويضيف: «حين تفقد الأغنية معانيها الحقيقية، تخرج من إطار الفن. إنها مصدر رزق فقط، تؤثر سلباً على تراثنا ومستقبلنا. انتظرنا الثورة طويلاً، لنخرج الفن المصري من الإسفاف الذي وقع فيه، وأزعج المصريين كثيراً». لا ينكر أحمد أنه كان كغيره من الفنانين، يحلم بالانتشار والشهرة، لكن «أنا ابن جيل لم يجد من يرعاه أو يتبناه، أو يوجهه. بحثت عن الفن، وذهبت إليه، من دون أن أنتظر دعم أحد». هكذا، وجد أحمد اسماعيل ضالته في الأغنية السياسية والوطنية، مرتكزاً إلى الرصيد الكبير لشعراء مصريين، مثل صلاح جاهين، وفؤاد حداد، وأحمد فؤاد نجم، وجمال بخيت. إنه «نوع مختلف من الغناء»، يتّسم بالالتزام، وهذا ما نجده في أغنيته الأكثر شهرة التي يصرّ على أن يبدأ أغلب حفلاته بها: «مفيش في الأغاني كده ومش كده تفرقنا عن بعض بالشكل ده».
يحمل اسماعيل عدداً من الألقاب، مثل «فنان الشعب» و«مغني اليسار»، و«مطرب الحركة الوطنية المصرية» و«خليفة الشيخ إمام»، ومن آخر ألقابه «سيّد درويش ثورة 25 يناير». يعشق محمد عبد الوهاب، وأم كلثوم، وعبد الحليم حافظ «لا سيّما في أغنياته الثورية»، إضافة إلى أغاني مرسيل خليفة، وأغاني فيروز الوطنية. «أحسست أنّ علي الذهاب في هذا الطريق... وذهبت». هكذا، بدأ أحمد اسماعيل خطواته الأولى بالتزامن مع الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982. «حينها، شاركنا في تظاهرة فنية وسياسية كبيرة. ومنذ ذلك الوقت، لم أفارق آلة العود التي أحملها في كل التجمعات السياسية المناضلة في سبيل الوطن». كان للتلحين دور كبير في استمرار تجربة اسماعيل، وكان الناس يستحسنون تلحينه عدداً من الأغنيات التي يجدون فيها شحناً لهممهم ومشاعرهم الثورية والوطنية، مثل «ازرع كل الأرض مقاومة/ ارمي في كل الأرض جدور/ إن كان ضلمه تمد النور/ وإن كان سجن تهدّ السور».
قبض أحمد اسماعيل على جمر الأغنيات الملتزمة، في ظل نظام كرّس الفن التجاري. هذا ما أخرج صاحبنا من دائرة الدعم، إذ لم يجد منتجاً واحداً يتبنى أعماله «ما يبرّر عدم إصداري ألبوماً واحداً. ولو غامر منتج بذلك، لخسر كثيراً، وحورب من قبل كثيرين». في عام 2000، استعان السينمائي خالد يوسف بأحمد اسماعيل لتلحين أغنيات فيلم «العاصفة». نجاح التجربة الأولى، وثقة يوسف في موهبة اسماعيل، دفعتا الثنائي إلى معاودة التجربة في فيلم «خيانة مشروعة» (2006) الذي ظهر فيه اسماعيل ممثلاً أيضاً. استمر التعاون بين المخرج والمغني مع «دكان شحاتة» (2009) الذي كشف عن طاقات إبداعية جديدة لدى إسماعيل، كما اشتركا أيضاً في «كف القمر» (2011) حيث أدى اسماعيل أغنياته الخمس، ومنها «طوبة حمرا وطوبة خضرا» للشاعر فؤاد حداد، وهي الأغنية الوحيدة التي لحّنها في الشريط، بينما غنّى بقية الأعمال من ألحان أحمد سعد وجمال بخيت.
لم يكن أحمد اسماعيل غريباً في ميدان التحرير. كان كغيره من الفنانين والمثقفين الذين ناضلوا في تلك الأيام، إلى جانب الثوار. حلقات الغناء التي كان يعقدها، جعلت كثيراً من شباب الميدان يتلهفون إلى قدومه، محتضناً آلته المحببة. كان وقوفه على المنصة يشعل حماستهم، ويشعرهم بأن النصر قريب. «الثورة بالنسبة إليّ، كان لها فرحة مختلفة، لأنني عندما رأيت الناس تزحف إلى الميدان، أحسست بأن سنين عمري لم تضع هدراً». في الميدان، بدأ اسماعيل تجربة جديدة، ملحناً العديد من القصائد الجديدة، لعل أشهرها «ارفع راسك فوق أنت مصري» التي كتب كلماتها الشاعر جمال بخيت، مرتكزاً إلى أحد هتافات الثورة.
لم يبتعد إسماعيل عن الميدان، «حلم حياتي يتحقق هنا أمام عينيّ». ومع سقوط مبارك وبقاء الفلول، شارك «سيّد درويش الثورة» مع «ائتلاف الثقافة المستقلة» في إطلاق فعالية «الفن ميدان» التي جابت محافظات المحروسة. حرصت الفعالية على إعادة الفن إلى الناس، والغناء في الشوارع والميادين قرب «الناس البسيطة».
في «الفن ميدان»، غنى اسماعيل «ارحل يا جيش الظلام/ خلّي القمر يبتسم» التي باتت اليوم من أشهر شعارات الثورة. لا يزال أحمد اسماعيل يتذكر أستاذ الموسيقي في مدرسة «السعيدية» الثانوية في الجيزة: «الأستاذ محمد ندا هو حبّبني بالمزيكا والفن». هكذا، التحق الشاب بـ«معهد الموسيقى العربية» في القاهرة، لكنّ آراء بعض الشيوخ الذين يرون أن الغناء «حرام»، منعته من إكمال طريقه. «تركت المعهد قبل أن أنهي دراستي. كنت صغيراً، ومتأثراً بمختلف الآراء المحيطة بي، وكنت أعتقد أن الغناء يودي إلى الهلاك، وأن مصيري جهنّم».
انقطع اسماعيل عن الغناء فترةً «ما أثّر عليّ بشكل سلبي». التحق بالقوات المسلحة وأنهى خدمته العسكرية، ليعود إلى آلته «اللي مقدرتش أتحمل البعد عنها». أمسك عوده، وراح يعزف ويلحن، ويثقف نفسه، مكافحاً ومتحدياً، إلى أن أصبح مغني الثورة التي تنبأ بها منذ سنوات طويلة.







5 تواريخ

1962
الولادة في محافظة الجيزة ـ مصر

1982
شارك مغنياً ومحتجاً في التظاهرات ضد الاجتياح الإسرائيلي للبنان

1995
وضع ألحان مسرحية «نسمة سلام» للفنانة عفاف راضي

2000
لحّن أغنيات فيلم «العاصفة» للمخرج خالد يوسف، وتعاونا في ثلاثة أفلام لاحقة هي «خيانة مشروعة» (2006) و «دكان شحاتة» (2009) و «كف القمر» (2011)

2012
يشارك في فعالية «الفن ميدان»
التي تتبنى الغناء في شوارع المحافظات المصرية وميادينها