منذ اندلاع الاحتجاجات الشعبية في سوريا، تبدّل المشهد الإعلامي، وصار حظر إنشاء القنوات الخاصة ضرباً من الماضي بعد طفرة الفضائيات السورية المعارضة التي تبثّ من الخارج (الأردن، دبي...) مظهرةً أنّ الحرب الإعلامية لا تقلّ أهميةً عن المعركة الميدانية. لكن اللافت في هذه القنوات التي يقارب عددها العشر، أنّها إسلامية الطابع والتوجّه.
وبين إعلام السلطة واعلام المعارضة، يظن المشاهد أنه يتابع أخبار بلدين. الفضائيّة السوريّة تخطّط للموسم السياحي المقبل، بينما تشن الفضائيات المعارضة هجوماً مركزاً على النظام، فتلتقي في العناوين العريضة وتختلف في التفاصيل.
قناة «شدا الحريّة» (تبث من الأردن) الإسلامية، تركّز على الشعارات والفواصل. تتوجه إلى «الأبطال» الذين يعيدون كتابة تاريخ سوريا، ويثبتون «للأوغاد» أنّ دماء شهداء سوريا ليست رخيصة، ويهددون «مجرمي بشار»، و«أقزام ماهر الأسد» بدفع الثمن قريباً. وفي أحد البرامج، يشرح ضابط في الجيش السوري الحر عن الوضع الراهن، ويتحدث إلى مدنيين سوريين ملثّمين يصفهما بـ«أبطال حلب» الذين سيواجهون «النظام الخائن والمجرم». وتبث المحطة الأناشيد الإسلامية والأعمال الوثائقية منها «على ضفاف الدمع» الذي يتحدث عن معاناة اللاجئين السوريين في الأردن.
أما قناة «دير الزور» (DPN) الإسلامية أيضاً، فتهدي إلى الجيش السوري الحر نشيد «أطلق نيرانك لا ترحم». ومن خلال «كاميرا الحدث»، تتابع آخر المستجدات في الشارع واعتقال طلاب جامعيين على خلفية مشاركتهم في تظاهرة تطالب باسقاط النظام. وتخصص المحطة شريطين أسفل الشاشة، أحدهما لمواكبة الأخبار والثاني لتعليقات المعارضين. وتعيد أكثر من مرّة تعليق من يسمّي نفسه «المزمجر» الذي يهدر دماء «من يحاول شق صفوف الجيش الحر التابع للمجلس العسكري». ثم تعرض مشاهد من دير الزور، وشريطاً كتب فيه «عصابة الأسد تقصف أحياء إدلب وتدمر منازلها بالطيران الحربي». الطابع الإسلامي نفسه ينطبق على قناة «السوري الحر» التي ترفع لواء «الدفاع عن السنة». تبث هذه المحطة ريبورتاجات عن الاحتجاجات وتكيل إهانات شخصيّة للرئيس السوري. ولا تكتفي بحربها على «شبيحة بشار»، بل تذهب أبعد لتدعو الجيش الحر الى تصفية «فئران ايران» و«جرذان حزب الشيطان اللبناني».
وترفع قناة «سوريا الغد» شعار «بكرا أحلى» بادارة الداعية عبد الحفيظ شرف! هنا، يطلّ عضو الهيئة العامة للثورة السوريّة هادي العبد الله، ليهاجم الرئيس «الذي لم يترك جريمة الا وارتكبها ضد أهل حمص البطلة». ولا تستثني المحطة في شريطها أسفل الشاشة «السوريين في عواصم القرار»، فهؤلاء لهم حصتهم أيضاً لأنّ «تظاهري (المعارض السوري) يكلّفني، حياتي وتظاهرك يكلفك 25 دولاراً... فلا تكونوا رجال فايسبوك». ويطرح توفيق حلّاق في برنامج «سوريا اليوم» (انتاج شركة اطياف)، استفتاء جماهيرياً عما اذا كانت اعادة هيكلة المجلس الوطني ضرورة ملحّة لا يمكن تأجيلها. كذلك تعرض المحطة، مشاهد ممنتجة تظهر الرئيس السوري وهو يضحك ثم تنتقل الصورة فوراً إلى المجازر الدموية وجنود يدوسون الناس بأقدامهم، ثم يضحك وليد المعلم في الشريط نفسه على مشاهد قتل الأطفال والشيوخ والنساء والشباب الذين «اعتقلوا وعذبوا وقتلوا»، ويختم طفل بعبارة «يسقط بشّار». وتنادي قناة «سوريا الشعب» بإسقاط «الطاغية»، وتتوعد نائب الرئيس السوري عبد الحليم خدام بالمحاكمة في لاهاي. وتعرض أخباراً عن اقتحام «عصابات الأسد السجن المركزي والاعتداء على السجناء». ويتكرر أعلى الشاشة العد التنازلي من الرقم 10 نزولاً إلى «ساعة
الصفر».
أما قناة «أورينت» الإخباريّة التي انطلقت قبل الأزمة، فقد تخلت عن طبيعتها المنوّعة منذ اندلاع الأحداث في سوريا، رافعةً شعار «سوريا حرة». وإضافة إلى المشاهد الدموية والتظاهرات، تعرض المحطة تقريراً صوّرته الجاليّة السوريّة في لندن، يظهر سوريين على شكل أصنام، ويحملون لافتات تدين النظام باللغة الإنكليزيّة. فيما تواكب قناة «بردى» الأحداث من خلال مشاهد واتصالات مع المعارضة، رافعةً شعار «لا نستسلم... ننتصر أو نموت». طبعاً مع استمرار الأزمة، ستشهد الأيّام المقبلة فضائيات معارضة أخرى أولها محطة «الثورة»، لكن ما يجمع هذه المنابر أنّها إعلام حربي ترتكز بشكل أساسي على التحريض وإثارة الغرائز المذهبية والطائفية.