دمشق | فوجئ المسؤولون السوريون بالحراك الشعبي الذي انطلق عشية 15 آذار (مارس) 2011 لظنّهم أن بلادهم محصّنة ضد الثورات، لكن اندلاع التحركات الشعبية قلب الموازيين، فكان لا بد من حلول سريعة بهدف التخفيف من حدة القمع الإعلامي والتضييق على الحريات أو الإيحاء بذلك على الأقل.
جاءت الخطوة الأولى متمثلةً في الإفراج عن مواقع التواصل الاجتماعي التي كانت تعاني الحجب خلال السنوات الماضية. وبمجرد إطلاق تلك المواقع، غزا السوريون العالم الافتراضي الذي صار مخصصاً للتواصل السياسي على وجه الخصوص. حمّل البعض مقاطع التظاهرات وأحداث التحركات الشعبية على يوتيوب، وتعلم آخرون التغريد على تويتر، لكن الغالبية الساحقة من رواد الشبكة العنكبوتية حجزوا لأنفسهم مكاناً على فايسبوك الذي سرعان ما صار حضوره تفصيلاً أساسياً في يوميات الأزمة، وتحول مرآةً حقيقية تعكس الواقع السوري بكل تجلياته.
وبعدما انخرط الكل في تمارينه الجديدة على الديموقراطية، بدأ الأمر ينزلق إلى منحى آخر مع اشتداد الأزمة. فإذا بالفايسبوك يتحوّل إلى منبر حقيقي للشتائم بين الموالين والمعارضين للنظام، واتخذت الأمور طابعاً طائفياً في الكثير من الأحيان، واشتعلت الساحة الافتراضية بالتخوين، حتى إنّ بعض المثقفين أقفلوا حساباتهم وهجروا الموقع الأزرق وسط هذا السعار الذي اغتال العقل أولاً وأخيراً. حتى أصحاب الأصوات المعتدلة ما وجدوا مكاناً لهم هنا.
هكذا، بدأت تخرج علينا قوائم الشرف والعار حيث، أُعدّت اللوائح كما يحلو للقائمين عليها، وتبادل الشباب الشتائم، وتبنّوا خطاباً يقوم على محاولة إلغاء الآخر أولاً وأخيراً. أضف إلى ذلك الخطابات الطائفية التي تفرّدت بها بعض الصفحات والمنتديات الأخرى. كل ذلك كان يعدّه بعض المراقبين تشوّهات عابرة لأنّ الشباب السوري بدأ يتمرن على الحوار... فيما كانت المرحلة التالية هي احتضان الفايسبوك لحمى البيانات المضادة بين المعارضين للنظام، الذين كانوا ينشرونها على موقع التواصل الاجتماعي، فيما يرد عليها الموالون ببيانات أخرى تحمل مضامين عكسية. وسط ذلك، شُغل جمهور الموقع الأزرق بتأسيس صفحات تهاجم بعض «الخونة» على حد تعبيرهم، وتدعم بعض الشخصيات الوطنية. وربما كانت الناشطة وكاتبة السيناريو السورية ريما فليحان أكثر من تعرّض لضغوط وتهديدات، بعدما أسّست مجموعة موالية للنظام صفحات للهجوم عليها والتشهير بها، فيما انبرت مجموعات أخرى لمساندتها والدفاع عنها. كذلك، هاجمت بعض الصفحات بأبشع العبارات مواقف المطربة السورية أصالة نصري، التي انقلبت على تاريخها المؤيد للنظام، وأعلنت مناصرتها للحراك الشعبي، فيما واجهت النجمة يارا صبري مصيراً مشابهاً، حتى إنها أغلقت صفحتها نهائياً.
مواقع التواصل الاجتماعي التي كانت الوسيلة الأولى للشباب للتعبير عن أنفسهم وأحلامهم بالتغيير والديموقراطية والحرية، إذا بها تصبح نسخة أخرى من الواقع الدكتاتوري الذي ينوء تحته الشباب الحالمون بالتغيير: تخوين، وإقصاء، وسباب، ورفض الآخر وغياب أدنى أدبيات الحوار، فلا وقت لهذا، المعركة «حامية» ويمكن لـ «الديموقراطية» أن
تنتظر!