عزيزي بيار،
مرّ وقت طويل على لقائنا الأخير، وكنت أودّ رؤيتك في بيروت وإطلاعك على عملي الأخير الذي اكتسب أبعاداً جديدة تختلف عن تجاربي السابقة. أنا واثق بأنّنا سنحظى بفرص أخرى كي أتمكن من إطلاعك على مشروعي «ضائع أو دليل الحمقى إلى المسلسلات التلفزيونية الأميركية وإلى فلسطين» الذي آمل الانتهاء من وضع مسودته هذا الخريف ويناقش صلتي الوطيدة بفلسطين.
أما بعد، فالعرض الأدائي «عن أهمية أن تكون عربياً» الذي كان يُفترض أن أقدّمه في بيروت، يتألف من مكالمات هاتفية سجّلتها على مدى أيام وأسابيع وأشهر. هذه المحادثات حقيقية حصلت فعلاً، وتغطّي مكالمات مع أصدقاء، وأفراد عائلتي، وزوجات، وزوجات سابقات، وزملاء... وتركّزت على مسائل سياسية، وشخصية، واجتماعية، وأخرى عادية وسخيفة بحسب الفترات والأحداث التي حصلت معي. وقد ترتبط أحياناً بالوضع السياسي والاجتماعي أو بالمسائل الشخصية.

النسخة التي كنت سأعرضها في بيروت تحمل عنوان «أشرطة الثورة» لأنّ المحادثات كانت تدور من الثاني من شباط (فبراير) حتى 11 شباط منه. أرسلت إدارة المسرح النص إلى الأمن العام في بيروت، فاعترض على كلمات معينة تتعلق بمسؤولين سابقين في الحكومة المصرية ما قبل الثورة، فطلب شطبها. لقد رفضتُ شطب هذه الأسماء ليس لأنني أردت الظهور بمظهر البطل بل بكل بساطة لأنّني مررت بهذه التجربة قبلاً في مصر، وقد كان موقفي حينذاك هو نفسه اليوم: لن أغيّر كلمة واحدة في نصّي ما لم أشأ ذلك، ولو كلّف الامر عدم عرض العمل. أشعر أنني هرمتُ الآن على القيام بما رفضتُ القيام به منذ عقد ونصف في مصر. سأحاول عرض هذه النسخة مجدداً في بيروت لأنّي مهتم بتجربة احتكاك عملي بالتقاليد المعاصرة للعروض الأدائية في بيروت. أخيراً، ليست مشكلتي مع الرقابة سواء في لبنان أو مصر أو أي مكان آخر، سياسية أو فكرية. المشكلة أنّ الرقيب ينظر إلى جملة أو حركة أو قطعة ملابس أو صوت معين باعتباره عنصراً مستقلاً عن العمل بدلاً من النظر إليه كواحد من عناصر كثيرة أخرى تتضافر لتؤلّف في النهاية شيئاً مختلفاً تماماً عن هذه العناصر كلها. إنّ تجاهل هذه المعادلة الأساسية يقضي على جوهر التجربة الفنية ويختزلها إلى كتلة من العناصر المجتمعة. ليست هذه إهانة للفنان فحسب بل للفن أيضاً. وإلى الملتقى القريب.