بغداد |الفنّان والمخرج العراقيّ المعروف جلال كامل الذي بدأ مشواره الفنيّ في عام 1977، يمرّ هذه الأيّام في محنة لم تعد غريبة عن واقع البلاد، حيث مصائر البشر باتت على محكّ مصادفات قد تؤجّل حتفهم إلى حين فقط. بطل «اللوحة» (1977) ــــ أوّل شريط سينمائيّ مثّل فيه ــــ يعاني من جِراح لم تلتئم بعدما انغرزت شذرات زجاج في ساقه اليمنى، وأصيب أحد أبنائه خلال تفجير انتحاريّ استهدف دائرة حكوميّة في بغداد الشهر الماضي. لم يؤثر ذلك في نفسه، فهو شاهد أهوالاً أشد فظاعةً مع رحيل العشرات بين صبيان وشباب ونساء أزهقت أرواحهم. لكن ما يؤلمه هذه الأيّام هو التدمير الكامل الذي لحق بمسكنه الكائن في العمارة المقابلة لموقع الانفجار في منطقة الكرادة في بغداد.
والمعروف أنّ جلال كامل لم ينقطع عن العمل في السينما، والإنتاج والإخراج التلفزيونيين. شارك تمثيلاً في أعمال دراميّة، منها أوّل مسلسل عربيّ مشترك «أيّام ضائعة»، ومسلسلات «النسر وعيون المدينة»، و«عنفوان الأشياء»، و«الهاجس»، و«ذئاب الليل»، و«رجل فوق الشبهات»، و«هذا هو الحبّ»، و«باشوات آخر زمن»، و«القضية 238». أما في السينما، فقد شارك تمثيلاً في أفلام «اللوحة»، و«الأسوار»، و«العربة والحصان».
كذلك عرضت له فضائية «السومرية» تجربتين إخراجيتين (مثّل فيهما أيضاً)، هما «جحيم الفردوس» (2007)، و«الحبّ أولاً» (2011)، في حين قدّمت له قناة «العراقيّة» الفضائيّة مسلسل «غربة وطن» الذي عرض العام الماضي وشارك في بطولته. جلال كامل يتحسّر اليوم على شقته وشرفتها التي كان يطلّ منها على «أرخيتة» بغداد، وشارع أبو نواس، ودجلة، وفندق «شيراتون» والجسر المعلّق... كلها ذهبت ولم يبقَ منها سوى أطلال. «هذا المسكن المتواضع بما فيه من شرفة، أعادني من إيطاليا والسويد والمغرب وأمكنة أخرى. إنّه وطني الصغير. لكن كلّ شيء راح الآن، من أشرطتي السينمائيّة والتلفزيونيّة وصولاً إلى عدساتي وصوري. أي وطن هذا الذي لا أستعيض عنه بملك الدنيا كلّها؟». هكذا هي صرخة المجروح يأسى على ما فقده، وهو ينظر إلى ما يجري. صاحب التجارب المتعدّدة في الغناء والتلحين، منها أغنيته «كافي»، يرى في هذا التدمير الممنهج «من يريد إقصاء الآخر الذي لا يملك سوى تعلّقه بهذا البلد وتاريخه».
كان جلال يسكن في الطبقة السادسة من العمارة التي تهدّم الكثير من شققها، ولا مصعد فيها. مع ذلك، كان بيته مملكته الخاصّة منذ 26 عاماً، وهو يساوي عنده قصور العالم. وأمام تحوّل الذكريات إلى حطام، يطلق أسئلته في وجه السماء: «هل علينا الاستسلام لمن يريد إذكاء الشرّ؟ لِمَ يدفعوننا إلى الاقتناع بأنّ لواء المحبة هو الأضعف؟ بأي حقّ تتطاير الأشلاء، وتُمحى سير، وشخوص وأرواح وبشر حالمون؟ ما نتيجة هذه القسوة؟ لِمَ كل هذه الكراهية؟». ولنا أن نقول لأبي الحسن: «لا تبتئس وتذكّر أنّك أنت مَن قلت وسط فوضى عام 2006: الجمال ثيمة نؤمن بها وليس في مشهدنا بقعة الدم فقط».