بينما يسود الحذر والحزن معظم المناطق اللبنانية، يقدم «مترو المدينة» أمسية طربية مساء الجمعة بعنوان «الهوى غلاب» يحييها الفنان اللبناني عبد الكريم الشعار برفقة فرقة زياد الأحمدية الموسيقية، التي سبق أن ظهرت على خشبة «المترو»، ضمن سلسلة «هشك بشك شو». صحيح أنّ «المترو» يقدّم أمسية طربية تقليدية كل شهر، إلا أنّ ما يميّز هذه الأمسية بالذات هو برنامجها الذي يحتوي على أغنية واحدة تعرض على مدى ساعة ونصف ساعة متواصلة، ضمن أداء تقليدي ملتزم بالموروث من حيث التصرف والتفريد.
لقد ظهر عبد الكريم لعشّاق الطرب في برنامج «استديو الفن» عام 1973، حيث نال الميدالية الذهبية عن فئة الطرب الأصيل. وهو يعد من القليلين الذين صمدوا وأكملوا مسيرتهم مستقلين، رافضاً الانجرار وراء الموسيقى التسويقية الهابطة.
يعبّر المطرب عن تشاؤمه وألمه من حالة البلد الميؤوس منها خلال حديثه القصير مع «الأخبار»، إذ كان في طرابلس يطمئن على أقربائه بعد الانفجارين اللذين ضربا المدينة. يتساءل ابن عاصمة الشمال إن كان هناك من مكان للفن الجدي في مدينة حيث الحصار الفكري والأمني والتجاري، ثم يشدّد على أنّ مؤامرة الفتنة باتت واضحة، وأنّه من الرافضين لهذه اللعبة القديمة.
لقد تابع الشعار مسيرته من خلال ما ورثه من عصر النهضة وما بعده. مارس الموسيقى الدينية والدنيوية، حيث أدى الابتهالات والتواشيح الصوفية، كما الموشحات والقصائد والأدوار والطقاطيق والمواويل. وبانتقائه أعمالاً من الأرشيف الطربي القديم والجديد نسبياً، وصولاً إلى بعض أعمال وديع الصافي، مارس عبد الكريم الغناء بأسلوبٍ طربي يقيم علاقة مجرّدة بين صوته والنص الموسيقي، حيث يمتزجان معاً في تصرف أدائي وارتجالي حرّ. كأن الأغنية وُجدت لتلائم صوته وزمانه وشخصه، وهذا ما تسعى إليه المدرسة التقليدية التي ينتمي إليها. وعلى الرغم من حرصه على حفظ التراث، فقد وجد بعض النقاد مثل عبد الغني طليس أن أداءه يبالغ في التصرف والتزيين، و«يتجاوز الحدود الطبيعية في الاداء»، فهل هناك حقاً «حدود» للأداء؟
بطلة الحفلة المنتظرة في «مترو المدينة» هي طقطوقة «الهوى غلاب» على إيقاع الوحدة الكبيرة، ومقامها الصبا المعروف بتأثيره الشجي. كأنّ مَن أعدّ برنامج الحفلة كان قد تنبأ بالأجواء التي ستسود لبنان أثناء العرض، فلم يجد ما يعبّر عن شعوره إلا أغنية منفردة، يطغى عليها الحزن والطرب الثمل الذي يضيف حزناً على حزن بشيء من المواساة التجريدية. هذه المواساة التي يفترض بأنها تُبادل اليوم بين منطقتين منكوبتين، كملحّن الأغنية وكاتبها، اللذين توفيا بعد إصدارها بأقل من شهرين. إذ توفي بيرم التونسي في ٥ كانون الثاني (يناير) عام ١٩٦١ عن عمر ناهز التسعة والستين، كما رحل المغني والملحن زكريا أحمد في ٥ شباط (فبراير) عام سنة ١٩٦١ في نصف عقده السابع.
كانت هذه الطقطوقة عربون مصالحة أعادت العلاقة بين زكريا أحمد وأم كلثوم بعد خلافهما الطويل الذي دام ثلاثة عشر عاماً. فأبدع الملحن في سبك محتوى هذا القالب، معوضاً عن الفراغ الذي تركه لدى «الست» قبل وبعد هذه الأغنية التي ظهرت في كانون الأول (ديسمبر) ١٩٦٠.
والطقطوقة أو الأهزوجة هي قالب شعبي بسيط كان يُبنى على نموذج A-B-A-C-A-D... أي مذهب - كوبليه- مذهب -كوبليه. وقد أضاف إليه المعلم زكريا أحمد مقدمة غنائية في «الهوى غلاب»، وزوده الكثير من الفقرات الارتجالية الكامنة. أما من ناحية العجينة المقامية، فليست هذه الأغنية نموذجاً دسماً لعرض المقامات. لم يخرج ملحّنها عن مقام الصبا إلا في الكوبليه الثاني، حيث ينتقل إلى مقام الحجاز ليعود ويختم بالصبا بطريقة مفاجئة. وكذلك الأمر في الكوبليه الثالث والأخير، حيث يذهب إلى العجم (وهو بعيدٌ كل البعد عن مقام الصبا) ليختم بالصبا بطريقة سلسة ومن دون أي جسور تصل المقامين المتباعدين. يذكر هنا أنّ الصبا هو المقام الوحيد الذي لا يصل جوابه إلى نوطة القرار نفسها، (يبدأ بالري وينتهي بالري بيمول)، وهذا ما يزيده انعزالاً وصعوبة في الاختلاط مع المقامات الأخرى. أما عن الفرقة الموسيقية التي ستكون بقيادة زياد الأحمدية على العود، كما أشرنا آنفاً، فستضمّ بهاء ضو على الإيقاع، وزياد جعفر على الكمان، ومحمد نحاس على القانون.



«الهوى غلاب»: 21:30 مساء الجمعة 30 آب (أغسطس) ــ «مترو المدينة» (الحمرا، بيروت) ــ للاستعلام: 01/753021 ـــ 76/309363