■ تمرّ الذكرى العشرون على اغتيال الشاعر والصحافي طاهر جاعوط، كيف تعودون بذاكرتكم إلى لحظة اللقاء الأول معه، وعلاقتكم به؟أذكر أنّنا منذ التقينا، نشأ بيننا نوع من التعاطف والتفاهم كانا في أساس صداقتنا. لكنّ ظروفنا لم تكن تتيح لنا أن نغذّي هذه الصداقة بالتعاون والحوار وتبادل الآراء في الأوضاع العربيّة السياسية والثقافيّة.

ذلك أنّ لقاءاتنا كانت قليلة جداً. أذكر بساطته وتواضعه وحساسيته المرهفة وإصغاءه إلى الآخر، واحترامه الآراء المتنوّعة، خصوصاً تلك التي لا يتّفق معها. وهذه صفاتٌ إنسانيّة عالية في كلّ إنسان يعنى بقضايا المجتمع، وعلى الأخص في كل شاعر وفنّان أو كاتب.

■ أنتم من متابعي مشروعه الشعري، هل ترون أنها كانت مؤشراً على تحوّل في سياق الثقافة، خصوصاً أنه كان على اطلاع واسع على الثقافة العربية وربطته علاقة مع كتاب في العالم العربي؟
أعترف بأنّ ما قرأتُه من نتاجه قليل، لا يتيح لي ــ رغم حضوره الشعري المتميّز ــ أن أعطي رأيي بدقّة وموضوعيّة في شعره، أو في مشروعه الإبداعيّ. لكن ما يمكن قوله إنّه كان يشقّ طريقه الكتابيّة، كاتباً شعره بيقظة الحارس، وغضب العادل. ويندرج اغتياله في الكشف عن الصورة التي يرسمها بعض المسلمين لأنفسهم ولدينهم في العصر الحديث: بشرٌ يعيشون خارج الانقلابات المعرفية الكبرى، علماً وفنّاً وفلسفة، ودين لا مكان فيه إلا للشرع، أمراً ونهياً، بجهل كامل لتاريخه الثقافي والمعاني التي حملها. هؤلاء والزمن على طرفَيْ نقيض: بقدر ما يتقدّم، يتأخّرون. لا مَعْنى عندهم للمستقبل، إلا بوصفه ماضياً. وما يكون، إذاً، معنى الإنسان؟

■ كانت عملية اغتيال طاهر جاعوط في لحظة مفصلية من تاريخ الجزائر، هل ترون أنه مع التحولات التي يشهدها العالم العربي، يمكن أن تعاد قراءتها واستخلاص الدروس منها؟
أظنّ أنّني قدّمت في ما سبق شيئاً من الجواب عن هذا السؤال. ليس هناك تحوّلات في العالم العربي إذا أردنا دقّة الدلالة وصحّتها في استخدام الكلمات. عندما يُقال «تحوّل» اجتماعي أو ثقافي، فذلك يعني أنّ هناك أسساً جديدة تولد في المجتمع والثقافة. ولا شيء من هذا في العالم العربي. هناك تراكمات تقليدية تاريخيّة قوامها إطاحةُ حُكمٍ، وإحلال حُكمٍ آخرَ محلّه. تبديلاتٌ في الحَرَس والاستراتيجيات. المستنقعُ باقٍ كما هو. بل أصبح أكثرَ توحُّلاً، لأنّه أصبح أكثر ماضويّةً وضيقاً في الأفق. أصبح كذلك أكثر تعقيداً. هذه التبديلات كانت عاديةً وسريعة في الماضي: مفاجأة الحاكم في غرفة نومه وقتله. اليوم تُفاجَأ البلاد كلّها، وتصبح ساحةً للقتل والتدمير. والأخطر أنّ الحاكم لم يعُد وحدَه تابعاً للقوى الأجنبية، وإنما صارت السياسةُ بكاملها تابعةً، بل صارت التبعية منظومة شاملة، سياسياً وثقافياً واقتصادياً. وبقدر ما يُخيَّل للجماعات التكفيرية أنّهم يدافعون عن الإسلام فإنّهم في الواقع يحاربونه من حيث هو فكر وثقافة وتاريخ حضاريّ.



من حوار أجراه مدير «دار البرزخ» سفيان حجاج مع أدونيس ونُشر في صحيفة «الوطن» ضمن الاحتفالية التي أقيمت لطاهر جاعوط الأسبوع الماضي في الجزائر