يبدو أنَّ مفاعيل طرد مجموعة من اللبنانيين العاملين في الخليج، وطلب بعض الحكومات الخليجية من رعاياها عدم التوجه إلى لبنان، ليس إلا بداية الحملة ضد لبنان و«حزب الله». من يطالع الصحف الخليجية خلال أيامٍ خلت، يمكنه ملاحظة «تصاعد» الخطاب بشكلٍ ممنهج، فمن الحديث عن «دور حزب الله» وتشبيهه «بداعش» وصولاً إلى تحويله إلى «وحش» ممسك بزمام الحكم في لبنان، وأخيراً تداعيات ذلك على اللبنانيين في الخليج، والداخل اللبناني تباعاً. من الواضح أنَّ الضوء الأخضر قد أعطي للإعلام الخليجي للهجوم على لبنان (ضمناً «حزب الله»)؛ ولم يسلم وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل من نيران الهجوم. كتب خالد الدخيل (الأحد 28 شباط) في جريدة «الحياة» ضمن مقالٍ حمل عنواناً نارياً: «السعودية ولبنان: انتهى زمن الضبابية والتكاذب» شارحاً فيه كيف أنَّ باسيل تحدث في بيانه بالحرف: «بين الإجماع العربي والوحدة الوطنية، ننحاز إلى الوحدة الوطنية». أمرٌ ـ بحسب الدخيل ــ تقبله السعودية لو أنَّه حقيقي وقابلٌ للحصول، مضيفاً أنّ «الوحدة الوطنية» ضربٌ من ضروب الخيال.
هاجم خالد الدخيل في
«الحياة» جبران باسيل لأنّه اختار «الوحدة الوطنية»
طبعاً لم ينس الدخيل الإشارة إلى أنَّ كل ما في لبنان من رخاء ورقي واقتصاد (وحتى سعادة) هو من عطايا المملكة، «فهي منذ اتفاق الطائف» ترعى لبنان، والآن سينتهي هذا الحلم بكامله. المنطق الهجومي الهستيري نفسه تبناه محمد العوين في صحيفة «الجزيرة» قائلاً: «لا يعقل أن يطعنك في الظهر من مددت له اليد، وأن يغرس في خاصرتك الرمح من سعيت إلى قوته وعزته واستقراره وأمنه». حاول العوين اللعب على مفهوم «لبنان العربي أم لبنان الفارسي»، فتطرق إلى «منع الخليجيين» من القدوم إلى لبنان، وكيف أنَّ الأخير يتحوّل شيئاً فشيئاً إلى «مختطفٍ من قبل إيران». طبعاً، أصرّ العوين على الإشارة إلى «مشاعر السعوديين» تجاه البلد الشقيق لأن المملكة كانت «مؤملة أن ينهض الشرفاء والمخلصون في لبنان من استسلامهم للهيمنة الفارسية وينتفضوا انتفاضة وطنية شريفة لاستعادة وطنهم المحتل من الفرس؛ إلا أن ذلك لم يحدث». لذلك كان على المملكة أن تقوم بما تفعله الآن مضطرة! في الصحيفة نفسها، نجد أيضاً جاسر الجاسر يتحدّث عن «العمالة» اللبنانية (ونعني هنا اليد العاملة) وإن قاربها بمفهومٍ مختلف تحت عنوان: «مرتزقة حزب الله» قائلاً: «كان اللبنانيون هم الأكثر طلباً ممن يبحثون عن الإجادة والتميز، وذلك في الماضي. أما الآن ورغم احتفاظ الكثير من اللبنانيين بتميزهم وتفوقهم، إلا أن الدول أخذت تنظر إلى اللبنانيين بتوجس وشك». طبعاً، لعب الجاسر هنا ورقة أنَّ كل لبناني هو «مجرم» حتى تثبت براءته، فجميعهم هنا هم «تحت تأثير حزب الله» ولو أنّهم قالوا العكس.
أما المقال الأبرز الذي يمكن اعتباره «السكة» التي يسير (وسيسير) عليها مجمل الإعلام الخليجي (والعربي الممول نفطياً) لاحقاً خلال الهجوم (المستمر) على لبنان و«حزب الله»، فهو مقالة عبد الرحمن الراشد (صحيفة «الشرق الأوسط»). أحد أبرز الإعلاميين الخليجيين خلال الأعوام الفائتة، دلى بدلوه ضمن مقالةٍ معنونة بـ «عندما يصبح لبنان مستعمرةً إيرانية». أشار الراشد إلى أنَّ السعودية قررت التراجع عن دعمها «الضخم» للجيش والقوى الأمنية اللبنانية لا لأن «بعض الصحف تهاجم المملكة بشكلٍ مستمر» بل لأنَّ الأمر أخطر بكثير. وبحسب تحليل الراشد، فإنه يعود إلى أنَّ «حزب الله لعب متعمداً دور المخرّب والمعطل للدولة. أجبر على إبعاد رؤساء حكومات، ومنع ترشيح رؤساء للجمهورية». وأكمل ناشراً الأمل بالمخلّص: «تظل السعودية أمل الاعتدال اللبناني في معركته ضد ميليشيات إيران وحلفائها، وألا تترك البلد لقمة سائغة لهم في حرب إقليمية مستعرة». هذه المقالة يمكن اعتبارها الصيغة الكاملة لما تريده السعودية حرفياً: الحديث عن «عمالة» حزب الله لإيران، والدور الإيراني في المنطقة، تقريع ولوم الصحف ووسائل الإعلام المعادية للمملكة، والحديث عن «الحجم الضخم» للتبرعات السعودية للجيش والقوى الأمنية، والترهيب من العقاب والعقوبات التي سوف تفرض، والحديث عن «الحماية» و»الدعم والأمل» في الختام!

خالد الدخيل

محمد العوين


عبدالرحمن الراشد