وأخيراً، حصلت كاميليا جبران على تأشيرة دخول إلى بيروت. إنه حلمٌ تحققه الفنانة الفلسطينية في الغناء هنا، في «أبعد» عاصمة عن فلسطين. للاحتلال الإسرائيلي ظواهر عبثية ومجرمة، وهذه إحداها. من جهتنا نفرح بالحدث لأجلها ولأجل محبيها من الجمهور اللبناني والفلسطيني اللاجئ قسراً. فهُم «أهل الشاطئ الآخر... بشرٌ يتعذر الوصول إليهم مع أنهم قريبون مرئيون» كما تقول في أغنيتها «الشاطئ الآخر».
شقيقها خالد سبقها في اختراق حظر السفر إلى لبنان. يومها بدا كأنه طفلٌ مسرور بلعبةٍ حصل عليها بعدما حلم فترة بها قبل أن يتخلى حتى عن مجرّد التفكير في اقتنائها. كانت فعلاً لحظة مؤثرة أن ترى رجلاً يملأ المسرح بشخصية قوية، فقَدَها لدى محاولته التعبير عن شعورٍ فاق تأثيرُه القدرة على ترجمته إلى كلمات مفهومة.
تجاوز عمر مسيرة كاميليا جبران العقود الثلاثة. عقدان أمضتهما ابنة صانع الأعواد الياس جبران مع فرقة «صابرين» التي احتلت مكانة بارزة في الأغنية الفلسطينية الملتزمة. عام 2002، خطت نحو تغيير في مسيرتها، فشرعت في العمل على مشروع فنيّ آخر، أبعدها إلى حدٍ ما عن الذين تابعوها منذ بداياتها. شئنا أم أبينا، ما قدّمته كاميليا خلال العقد الأخير طرح علامات استفهام فنية كثيرة. البعض ذهب إلى حدّ القول إن هذا التحوُّل لا يخلو من (أو ربما سببه) تغيُّرات أصابت مفهوم النضال لدى الفنانة، بالاتجاه السلبي طبعاً. فوجهة النظر التي تقول إن الشعب الفلسطيني، في نضاله اليومي، لم تعد تمسّه أغاني جبران الحديثة النَفَسْ، فيها شيءٌ من الصحّة. بقي العود والكلمة العربية، لكن الأداء واللحن والموسيقى الإلكترونية التي تلامس التجريب أحياناً، لا تمتّ إلى الثقافة الشعبية عموماً، فكيف إذا كانت هناك حاجة نضالية (لا ترفيهية) إلى الفن. والكلمة، وإن بقيت عربية، فقد ابتعدت نسبياً عن المعاناة واقتربت إلى السوداوية. والسوداوية هي أقل ما نحن بحاجة إليه في صراعنا. هذه عوارض أصابت بعض الشعوب الأوروبية لأسباب لها علاقة بنقيض ما يسبّب معاناتنا. لم يكن صوت كاميليا خارقاً. لكنه كان مناسباً لما يُراد من الفن الملتزم. بعد ألبوم «محطات»، ثم «وميض» الذي شكل ذروة خطها الجديد وتعاونها مع الموسيقي السويسري فيرنر هاسلر الحاضر معها في بيروت، لجأت كاميليا في «مكان» (2009) إلى العود المنفرد لمرافقة صوتها، متخليةً عن الإلكترونيات. غير أنها أبقت على هويتها الجديدة لناحية اللحن (كاميليا جبران) الفاقد للهيكلية كما للمسار المألوف شعبياً والكلمة (سلمان مصالحة وحسن النجمي...)، حيث قصيدة النثر شكلت الركن الأساس. لا أحد يعرف إلى ما ستؤول إليه هذه الأعمال في المستقبل. لكن الأكيد أنها في الوقت الحاضر تهمّ الغرب أكثر من الشرق. وربما، لا مكان لها في المنظومة الثقافية والنضالية المطالِبة بإزالة دولة إسرائيل عن الخارطة، إنما في سياسة حل الدولتيْن ومعاهدات السلام. في المقابل، ثمة سقف لا تتخطاه كاميليا منذ انتقالها إلى أوروبا، لأن تخطيه عقوبة يحاسب عليها القانون بدعوى معاداة السامية ونتائجه لناحية الإنتاج والنشر الأوروبيَّيْن كارثية! الكلام عن القضية والاحتلال تلميحاً هو المطلوب حصراً. الكلام عن معاناة الضحية وعذاباتها وحقوقها المسلوبة، مطلوب أيضاً طالماً أن الصيغة الأدبية تُبقي الفاعل مجهولاً! بعد «وميض»، عادت كاميليا لتعاونها مع هاسلر في ألبوم «ونبني» (2010)، وهو كـ «مكان»، من إنتاج وتوزيع اسميْن أوروبين مهمّيْن... حول «ونبني» تتمحور» أمسية المغنية وعازفة العود الفلسطينية مساء غدٍ في DRM... لكن هذا قد لا يمنعها من تقديم بعض قديمها، نظراً لرمزية اللقاء.

http://drmlebanon.com/