القاهرة | أسرة مصرية تنتمي إلى الطبقة المتوسطة، يحمل معظم أفرادها درجات علمية مرموقة. حسن (خالد صالح) يحمل دكتوراه في علم الاجتماع، وأخوه صلاح (طارق عبد العزيز) دكتوراه في الكيمياء وزوجته أيضاً. ورغم التفوق العلمي الذي يتمتع به أفراد العائلة، إلا أنّها تواجه قسوة العيش في ظل دولة لا تعنى بالعلوم. يعود السيناريست والمخرج محمد أمين إلى السينما بتجربته الرابعة «فبراير الأسود». بعد «فيلم ثقافي»، و«ليلة سقوط بغداد»، وتراجيديا «بنتين من مصر»، ها هو يقدم توليفة كوميدية. ثمة ميل واضح لدى أمين إلى «مسرحة الصورة» في أعماله الكوميدية والتراجيدية. هذه المسرحة تتبدى في «فبراير الأسود». بأداء انفعالي مبالغ فيه، يجرّد شخصياته من إنسانيتها، ويبتعد عن شكل الفانتازيا السياسية الذي نجح جزئياً في تنفيذها في «ليلة سقوط بغداد». يبدأ الفيلم قبل عام من «ثورة 25 يناير» بمشهد أستاذ علم الاجتماع حسن في قاعة محاضرات. عند نهاية الفصل الدراسي الأول، يدعو تلاميذه إلى التفاؤل، وحب الوطن، ويبث التفاؤل في نفوسهم، ويخبرهم عن الإجازة التي سيقضيها مع زوجته وولديه في منطقة الواحات. يأتي المشهد التالي في الصحراء حيث الأسرة تتجه إلى الواحات في أحد الباصات السياحية، غير أن عاصفة تعترض طريقهم، ويعلقون في الرمال المتحركة. تأتي عربة الجيش لإنقاذ الناس، وتبدأ بالانتقاء بناء على أهمية الموجودين. ومعيار الأهمية هنا هو القرب من السلطة، فتبدأ بإنقاذ لواء من أمن الدولة، ثم مستشار في السلك القضائي، ثم رجل أعمال، وتترك باقي «المواطنين» إلى النهاية مدفونين في الرمال باستثناء رؤوسهم. التراتبية التي اختارها أمين في الإنقاذ هي ما يبني عليها حسن الهرم الاجتماعي الجديد بعد فساد تفشى في مؤسسات الدولة وانعكس على مجتمع تاهت فيه القيم الأخلاقية. بعد هذه الرحلة، يعود حسن إلى طلابه ليقول لهم «مفيش أمل» مقدّماً استقالته من التدريس الجامعي تمهيداً لتحسين وضعه الاجتماعي. يحاول التوصل إلى حلول تخرجه من هذا الهامش الاجتماعي الذي يعيش فيه. يقرّر الهجرة أولاً على عكس المتوقع، إذ يأتي دائماً في النهاية بعد نفاد الحلول داخل الوطن. لكنّ اختيار الهجرة بداية هو تعبير من صانع الفيلم عن هذا اليأس الذي عشّش في نفوس الناس. بعد فشل محاولة الهجرة، يتخلى حسن عن كل قيمه ومبادئه الأخلاقية، ويخوض حرباً يشرّع فيها لنفسه استخدام كل الأسلحة. يفسخ خطوبة ابنته ريم (ميار الغيطي) من العالم معتمد (ياسر الطوبجي) ويجعلها تخطب ضابطاً في أمن الدولة يعمل في رئاسة الجمهورية بينما يعدّ ابنه المهتم بالعلوم ليكون لاعب كرة قدم، فيوظف له «نزهي» اللاعب المعتزل ليدربه.
ينتهي الفيلم بمشهد ملحمي يظهر جموعاً تهتف «الشعب يريد إسقاط النظام» في الوقت الذي تتزوج فيه ريم من ضابط أمن الدولة، وقد استقرت أوضاع ابنه في منتخب الشباب. الأوضاع استقرت واقترب حسن من الأمان كما يبتغيه، إلا أنّ هتاف الشارع يجعل حسن يلغي كل شيء فجأة (!). وإذا بكل الانتهازية التي سيطرت عليه، تزول مع هتاف الجماهير، فيتساءل في النهاية عن «الفترة الانتقالية» رغم أنّ تسمية الفترة الانتقالية تلت سقوط النظام في سهو غريب من المخرج.
الفانتازيا التي يحاول المخرج محمد أمين تقديمها هنا، وطريقة السرد تشبهان ما قدمه قبلاً في فيلم «ليلة سقوط بغداد». في «فبراير الاسود»، استسلم تماماً لثيماته التي قدمها قبلاً مع بعض الإفيهات الجنسية المعروفة عنه. ويبدو أنّ أمين المخرج لا يرضي طموح أمين السيناريست. لقد أتت مشاهده باهتة، وأداء الممثلين متوقعاً، باستثناء ظهور مميز لالفت إمام أضاف بهجةً حقيقيةً وكوميديا لطيفة على مجريات الشريط، إضافة إلى الخطابية التي يختتم بها مشاهده كما لو كانت تلقيناً للمشاهدين. النهاية لم تأت على مستوى الفانتازيا التي حاول أمين الزج بها في عمله، بل جاءت استسلاماً للواقع... واقع نسي المخرج تفاصيله مع غلطة تاريخية تتعلق بالفترة الانتقالية.