بعد أيّام، من المفترض أن تحيي Guns N’Roses حفلة ضخمة في بيروت (٣٠ مارس) التي ستكون المحطّة العربيّة الثانية لها هذا الموسم بعد أبوظبي (٢٨)، قبل العودة إلى سان أنطونيو ونيويورك. يفترض أن يكون خبراً سعيداً لعشّاق الروك الأصيل، لولا أنّنا لا نستطيع أن ننسى الزيارة الـ«شرق أوسطيّة» السابقة للفرقة.
كان ذلك في تمّوز (يوليو) الماضي، يوم وقفت فرقة الـ«هارد روك» الأميركيّة الأسطوريّة لتغنّي في تل أبيب «النشيد الوطني الإسرائيلي»، كما كان يمكن لآخرين، في زمن أقلّ انحطاطاً، أن يؤدّوا نشيد المقاومين ضدّ النازيّة مثلاً! كلا لم يكن فعلاً عابراً، أو مجاملة ديماغوجيّة لجمهور البلد المضيف، بل توقيع واضح على كل جرائم الكيان السبارطي، وازدراء مطلق لقضايا الفلسطينيين (والعرب) وحقوقهم المسلوبة. لا يمكن أن نجد الأعذار والتبريرات للـ«غانز»، بداعي السذاجة، أو بحجّة جهل قضايانا، ورفض الانخراط في صراعات شعوب المنطقة. لا يمكن أن نسامحهم باسم احترام حريّتهم في اتخاذ ما يرونه من خيارات ومواقف. نحن شعوب على حدّ السكين في مواجهة قاتلها، وكل من يخدم مصالحه ويموّه جرائمه، ويجمّل صورته البشعة، شريك في المذبحة، بشكل أو بآخر، وإن بنسب متفاوتة طبعاً. هذا لا يتناقض بأي شكل مع الدفاع المستميت عن الحريّة.
أعضاء فرقة الروك الشهيرة التي يفرش لها لبنان السجّادة الحمراء بعد أيّام، قادمون من الدولة التي شنّت كل أشكال الحروب الاستعماريّة المدمّرة على شعوب المنطقة، وفرضت وستفرض عليها الحكّام الطغاة، وسلبتها وتسلبها ثرواتها وحقوقها (ما زالت أرجاء رام الله المحتلّة ترجّع صدى كلمات رئيسهم «التقدّمي واليساري والأسود» أوباما!). وأقلّ ما ينتظر المرء من أبناء الروك الأشقياء، المتمرّدين على القيم السلطويّة، أن يمتلكوا موقفاً نقديّاً من حكومتهم، وأن يقفوا إلى جانب المظلومين وضحايا المذبحة العظيمة. هذه المذبحة التي يعمل كثيرون اليوم على محوها وإزالتها، وتمويهها بشتّى الأشكال والوسائل... وصولاً إلى ماكينة البث المنهجي لسموم المذهبيّة، وتشجيع الانقسامات والحروب الأهليّة. أرأيتم كيف يعيدنا الهارد روك إلى السياسة الفجّة يا أصدقاء؟
هل يمكن أن نقبل مجيء فرقة «غانز إن روزس» إلى بيروت، من دون أدنى اعتذار عن احتقارها السافر، قبل أشهر، لمعاناة الشعوب العربيّة تحت نير الفاشيّة الصهيونيّة؟ هل يمكن أن نمحو من أذهاننا صورة أكسل روز ورفاقه يؤدّون بخشوع نشيد قاتلنا، ونحن نتراقص ـــ كأن شيئاً لم يكن ـــ على وقع Use Your Illusion (إلجأ إلى أوهامك)؟ طبعاً، هناك فئة محصورة في لبنان هوسها الترويج لكل ما يمتّ بصلة لإسرائيل باسم «الحريّة والانفتاح، ودور لبنان الرائد»، وغير ذلك من «مصالح سياحيّة واقتصاديّة» و... بطاطا. تلك الفئة يلتفّ حولها قطاع طيّب وساذج من الرأي العام الذي تقولبه الجمعيّات غير الحكوميّة يوماً بعد آخر، بموازنة مئات ملايين الدولارات، كي «يحبّ الحياة» أكثر، ويدافع عن «الحريّة» و«الاختلاف». لكنّنا لن نقبل أن تصبح إسرائيل وجهة نظر في لبنان، كما لا نقبل للعنصريّة والمذهبيّة والغوغائيّة والعنف الأهلي وكل أشكال التكفير أن تصبح وجهة نظر في النقاش العام. ولن نسمح بأن تصنّف دعوة ديموقراطيّة سلميّة إلى مقاطعة «غانز إن روزس»، «إرهاباً فكريّاً ضدّ الثقافة والفنّ والجمال» (!) بل إن مثل هذا المنطق التبسيطي الاختزالي والساذج هو فعليّاً الأرض الخصبة لكلّ الفاشيّات والأصوليّات وازدراء الديموقراطيّة!
وحدها النظرة النقديّة الجدليّة الواعية والهادئة إلى الأحداث والصراعات، يمكن أن تحمي الديموقراطيّة. أما مصادرة حق فئة واسعة من المواطنين في الاحتجاج، باسم قيم وطنيّة وإنسانيّة ما زالت تحقق الإجماع في لبنان والعالم العربي (في انتظار أن يقضي «الربيع العربي» المسروق على الأخضر واليابس!)، فتلك هي النزعة الإرهابيّة الفعليّة التي تشكّل خطراً على حريّة التعبير. فرقة الهارد روك الشهيرة لن تكون ضحيّة القمع والإرهاب في بيروت، بل ستواجه حملة احتجاج شعبيّة سلميّة من النوع الذي يصعب على جهاد المرّ استيعابه، فكيف بجوقات التطبيل والتزمير لحريّة الكرتون السلطويّة والفئويّة والانعزاليّة؟ كان بودّنا أن نحتفي بأكسل وديزي وريتشارد وفرانك وتومي في بيروت، وأن نستمتع بمقطوعات هي من عيون الروك. فنحن نعرف الفرقة ونحبّها أكثر من مدافعي آخر زمن عن مجيئها، ودعاة الانفتاح الـ cool، وهواة الفنّ الرفيع كما تجسّده البجعة لارا فابيان. وها نحن نحيّي الفرقة على طريقتنا في هذا الملفّ، من خلال مقالة تعرّف بتاريخها وأعمالها وفنّها. لكنّنا في قلب مواجهة مصيريّة لا تحتمل التنازلات والمهادنات والتعالي عن الواقع. لذلك ندعو إلى عدم شراء بطاقات حفلة «فوروم دو بيروت»، المصادِفة في «يوم الأرض» الفلسطيني، أو إلى ردّها بأسرع وقت. هذا حقّ ديموقراطي، وشكل سلمي من أشكال الاحتجاج. «تل أبيب وبيروت دونت ميكس»! تلك هي رسالة «حملة مقاطعة داعمي إسرائيل». ليسوا وحدهم في المعركة لحسن الحظّ، هناك عادلون يشهدون للحقّ في زمن أوباما وأحمد الأسير. قبل ثلاثة أيّام فقط، نشر موقع مجلّة الـ«رولينغ ستونز» العريقة، تصريحاً لرودجر واترز، أحد مؤسّسي فرقة الـ«بينك فلويد»، يقارن فيه بين إسرائيل وجنوب أفريقيا أيّام «الأبارتهايد»، ويدعو إلى مقاطعتها. والتصريح مأخوذ من حوار طويل أجراه موقع «الانتفاضة الإلكترونيّة» مع عازف البايس الشهير. المؤكّد أن جهاد المرّ لن يفكّر يوماً في دعوة «الإرهابي» رودجر واترز إلى لبنان.
2 تعليق
التعليقات
-
سيد أبي صعب، مقال جيد واناسيد أبي صعب، مقال جيد وانا معك وأُأيّدك. ومن المستحسن ان يُكتب liste بأسماء الفنانيين والسياسيين والشركات الاجنبية وكل من يتعامل او يدعم سياسة العدوة اسرائيل ومقاطعتها بالطرق المناسبة
-
سقا الله على ايام ستي: غانز وروزز (حدا بيذكرهم؟) في بيروتهذه الفرقة تلاشت عن الوجود الفعلي في اميركا نفسها منذ اكثر من عشرين سنة وهي التي لم تصدرمنذ ظهورها عام ١٩٨٥ الا ستة اسطوانات متفاوتة القيمة والاهمية والتي لا يمثل وجودها الان الا نوع من حنين لعصر مضى اكثر مما هي فرقة حية وفعالة ولها وجود اليوم. حتى لو غنت هذه الفرقة النشيد الوطني اللبناني فانه في مثل هذه الظروف التي يحياها لبنان لا يذهب انسان فيه ذرة عقل او ذوق لحضور حفل هارد روك وهافي ماتال وخصوصا فرقة اجنبية فيما البلد على وشك ان يروح بشربة مي. يحتاج الامر كمية هائلة من البلادة والسكاعة حتى يبرر الانسان لنفسه حضور هكذا حفلة. طبعا ندرك ان هكذا ناس بليدة موجودة بوفرة وستذهب للاستماع الى من بين كل الفرق والمغنين والمغنيات يللي خلقها الله الى ... فرقة غانز وروزز. حطوا السياسة على جنب، بس في بعد حدا بيسمع لاكسل روز او بيسمع باكسل روز منذ عام ١٩٩٣ يعني لما كانت ستي صبية؟ يبدو ان البكاء على الاطلال لا ينحصر بامرئ القيس والشعراء الجاهليين والقدامى بل يصل الى مستمعي غانز وروزز. الفاتحة عن روح التسعينيات وموسيقاها وموسيقييها. كانت فترة عصيبة موسيقيا. غانز وروزز في لبنان؟ يطعمكم الحجة والناس راجعة ان شاء الله. ردونا لسنة ال١٩٩٣ وانا اول واحد بيحضر الحفلة. الا ليت ال ١٩٩٣ تعود يوما لاخبرها بما فعل الغانز والروزز. بس اذا ممكن زهقنا حالنا وعفنا تيابنا من "يوز يور ايليوجين" تبع سنة ١٩٩١. هل من جديد؟ يا ريت يطلع له اكسل ابو الورد بكم صوت عتابا ويفقعنا كم اغنية من "الديموقراطية الصينية" اسمو هلق موسم ربيع عربي وديموقراطيات صينية وغير صينية. ههههههههه!