بعد «ثورة 25 يناير»، انتشرت صفحات على الفايسبوك للدفاع عن ايديولوجيات معينة، فنشأت صفحات ذات توجّه علماني وأخرى ذات توجّه إسلامي. تنتقل بينها لتجد الأخبار نفسها، لكن لكل وجهة نظره: ضياع المنطق والأخبار المفبركة من الجانبين، وفي الكثير من الحوادث، يقتطع الإسلاميون الفيديوات ليقولوا إنّ العلمانيين كفرة، فيكون ردّ العلمانيين بنشر أخبار لا صحة لها ليعلنوا للناس كيف يفكر هؤلاء الظلاميون، فيحضر الإسلاميون النفي بسهولة شديدة باتصالهم بالشيخ صاحب المقولة ليقول «أنا لم أقل هذا».عزيزي العلماني العامل في حقل الفايسبوك، إذا كنت تريد أن تعرف ماذا يقول الإسلاميون في مصر أو الوطن العربي، فارجع إلى مواقعهم أو دروسهم في المساجد أو كتبهم لتعرف أنّ «الديموقراطية وثن يعبد من دون الله» عند الشيخ سعيد عبد العظيم، وأنّ لعبة الفيفا للكبار حرام لأنّ اللاعبين تماثيل محرمة عند الشيخ ياسر برهامي! لا تعتمد على الثقافة السمعية و«التويتات» المضروبة فقط، عُد إلى المصادر الأصلية، ستجد ما يغنيك عن فبركة أي خبر.
ولأن الإسلامي لا يسمع إلا لشيوخه، فهو لا يعرف عن العلمانية إلا كلمة «الفجور» و«الفسق»، ولا يعرف عن ابن رشد إلا «الكفر» و«الزندقة»، ولا يعرف عن الخلافة إلا «أمطري حيث شئت فسيأتني خراجك»، ولا يعرف عن «أولاد حارتنا» إلا أنّ فيها تجسيداً لله، ولهذا فهي حرام. وبالتالي يقطع الحوار ويأتي بكلمة الشيخ وبهذا يصبح لديه الحجة التي يواجه بها أي فرد. ولأنّ الثقافة العلمانية تعتمد في أساسها على التنظير، فأي نقطة تحتاج إلى شرح مفصل تُهزم في معظم الأحيان أمام كلمة الشريعة وأمام كلمة «حرام»، فخطبة جمعة من نصف ساعة قادرة على تغيير وعي نصف قرن من الفكر! الجهل من الطرفين موجود وضياع المنطق والنفي لأنه ليس مسجلاً صوتاً وصورة، وهذه ظاهرة إخوانية فكلما واجهت إخوانياً بسياسة جماعته بناءً على قراءة الواقع، سيقول: «هذا لم يحدث. هل رأيته صوتاً وصورة؟». التفكير المنطقي ضاع وسط تكنولوجيا لم نحسن استغلالها. وبناءً على ثقافة اليوتيوب، فالتاريخ لم يُسجل صوتاً وصورة، فيما كل فيديو يسهل التلاعب فيه، وكل حكايات التاريخ قد يكتبها أي فرد، فلماذا تصدق ما تريده ولا تعرض على عقلك ما ترفضه؟! أتذكر يوم شرحت لصديقي أنّ من قال في ميدان التحرير: «يا أيها الإخوان، لا أعبد ما تعبدون، لكم مرشدكم ولي وطني» ليس حراماً لأنه ليس تحريفاً للقرآن لكنه هو مقتنع بما تقوله صفحات «الإسلامجية» بأنّه حرام وكفر، وإذا شرحت لمدة ألف عام، لن يقتنع. رغم فائدته، تحول الفايسبوك ساحة للحروب الإيديولوجية التي تؤدي إلى الثورات في بعض البلدان، وإلى الحرب الأهلية في أخرى.
محمد أبو عوف (الاسكندرية)

* عين القراء على المشهد الإعلامي العربي والـ «نيوميديا». ارسلوا مساهماتكم في نقد البرامج التلفزيونية والظواهر على مواقع التواصل الاجتماعي:
[email protected]