بعدما اشترط التلفزيون الحكومي الألماني «دويتشه فيله» على موظفيه الجدد التوقيع ضمن عقد التوظيف على بند «الاعتراف بحقّ إسرائيل في الوجود»، كجزء من مدوّنة سلوك محدّثة، أصبح الإقرار بذلك الآن جزءاً من قانون الجنسية الألماني الجديد. إذ أعلنت السلطات في برلين قبل أيام أنّه يجب على المتقدمين لاكتساب الجنسية الألمانية أن يعلنوا عن قبولهم بهذا المبدأ، كشرط حاسم. ويأتي هذا التغيير، وفقاً للسلطات دائماً، كجزء من مشروع «إصلاح» شامل للمواطنة يهدف إلى «التأكيد على الولاء للقيم الألمانية». وأشارت نانسي فيزر وزيرة الداخلية والأمن الوطني في حكومة المستشار أولاف شولتس في حديث لصحيفة بريطانية بأنّ «أسئلة جديدة حول مواضيع معاداة السامية، وحق دولة «إسرائيل» في الوجود، والحياة اليهودية في ألمانيا قد أضيفت بالفعل إلى اختبار التقدم بطلب الجنسية». وتابعت أنّه سيتعين أيضاً على المتقدمين تأكيد التزامهم بالمساواة بين الجنسين، والنظام الديموقراطي و«مسؤولية ألمانيا التاريخية تجاه اليهودية نتيجة لجرائم النازية».
وكان البرلمان الألماني قد اعتمد تشريعاً في كانون الثاني (يناير) الماضي يخفّف القيود المفروضة على الراغبين في التقدم بطلب الحصول على الجنسية الألمانية كجنسية ثانية عبر تقليل عدد السنوات التي يجب أن يعيشها المرء في ألمانيا قبل التقديم من ثماني سنوات إلى خمس، ورفع الحظر المفروض على الجنسية المزدوجة للأشخاص من دول خارج الاتحاد الأوروبي. ورغم أن هذه التغييرات كانت جزءاً من الوعود الانتخابية لشولتس، يعتقد كثيرون أنّ التسريع في إجراءات إقرار التشريع جاء بعد ارتفاع ملحوظ في عدد طلبات اكتساب الجنسية الألمانية التي يتقدم بها الإسرائيليون منذ السابع من تشرين الأول (أكتوبر) 2023.
وعن ذلك، قالت الوزيرة التي تنتمي إلى الحزب الديموقراطي الاجتماعي بقيادة شولتس، إنّه «يمكن لأي شخص الآن يشاركنا قيمنا الحصول على جواز سفر ألماني بسرعة أكبر، ولم يعد مضطراً إلى التخلي عن جزء من هويته وترك جنسيته القديمة»، قبل أن تستدرك قائلة بأنّ «حكومتها أوضحت أيضاً أنّ أي شخص لا يشاركنا قيمنا، لا يمكنه الحصول على جواز سفر ألماني. لقد رسمنا خطاً أحمر واضحاً تماماً في هذا الشأن، وجعلنا القانون أكثر صرامة من ذي قبل». ولاحظ مراقبون للشأن الألماني أنّ تخفيف القيود هذا مُرّرِ جنباً إلى جنب مع تشريع آخر يجعل من ترحيل الأجانب أمراً سهلاً بما لا يُقاس.
تاريخيّاً، التزمت الدولة الألمانية التي أنشأها الأميركيون - على أنقاض دولة الرايخ الثالث بعد الحرب العالمية الثانية – بسياسة رسميّة منحازة علناً إلى الدولة العبريّة، وقامت الحكومات الألمانية المتعاقبة عبر العقود بتمويلها وتسليحها وتأييد سرديتها الملفّقة في المحافل الدولية، فيما مارست داخلياً منهجية «صفر تسامح» مع ما تسمّيه معاداة الساميّة وجرائم «الكراهيّة» ضدّ اليهود. على أنّ سلطات برلين تبنّت منذ تشرين الأول الماضي سلسلة ممارسات قمعية غير مسبوقة ضد كل أشكال التضامن مع الفلسطينيين الذين يتعرضون لحرب إبادة في قطاع غزّة لم توفر حتى يهوداً وإسرائيليين مقيمين في ألمانيا عبّروا عن رفضهم لتلك الحرب. وشكى فنانون ومثقفون ألمان تحدثوا علناً عن دعمهم للفلسطينيين، من خضوعهم لرقابة استخباراتية، ووضعهم على قوائم سوداء، وحرمانهم من الفرص والتمويل بسبب مواقف معلنة سابقاً بشأن القضية الفلسطينية. وشهدت الأشهر الأخيرة إلغاء عدد من المعارض والمؤتمرات والفعاليات الثقافية والمحاضرات العامة المرتبطة بفلسطين، ونفذت سياسات صارمة في ما يتعلق بالتعبير واختيار الكلمات أثناء الاحتجاجات. وحُظرت منظمات اتُهمت بالعداء للسامية، وجُمدت حسابات مالية لجمعية يهودية مناهضة للصهيونية، كما فُصل عدد من العاملين العرب في «دويتشه فيله» بعد إدلائهم بآراء مؤيدة للفلسطينيين على مواقع التواصل الاجتماعي وعُدّلت مدوّنة السلوك الداخلية لتفرض على إدارة التلفزيون اتخاذ إجراءات ضد الموظفين الذين «ينكرون حق إسرائيل في الوجود كدولة».